الرئيسية | حوار | حوار مع المترجم المغربي لحسن لكيري

حوار مع المترجم المغربي لحسن لكيري

حاوره عبد الواحد مفتاح

قال الدكتور لحسن الكيري، إن أزمة المثقف اليوم تتجلى في بيع مبادئه في سبيل المصالح،  يبدو أننا بدأنا نلمس نوعا من التراخي في قيام المثقف خاصة العربي، بأداء هذه المهمة الجليلة، والواقع أن المثقف يجب أن يلعب دورا جليلا و رائدا في معركة أنسنة الإنسان وتحريره من ربقة العبودية والقوى الظلامية إلى المَدَنِية المتنورة التي يمكن أن يحيا فيها بكرامة. كما سار عليه كبار المثقفين في الحركة الإنسية الأوربية من قبيل دينيس ديدروو إيرازم و مادام دوستايل وغيرهم في الغرب ومحمد عبده و جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمان الكواكبي وغيرهم في الحركة الإنسية العربية.

و الدكتور لحسن الكيري هو كاتب ومترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية، عمل كمراسل لجريدة  (موندياريو) الإسبانية، له إسهامات مهمة في مجال الترجمة، خاصة من اللغة الإسبانية التي نقل عنها أعمال أغنت المكتبة العربية.

 في هذا الحوار الذي نخصصه معه لبحث وضع الترجمة اليوم بالمغرب والعالم العربي، ونقف على قضايا تظل لازمة في منجز هذا المترجم.

وفي ما يلي حوار أجراه معه الباحث عبد الواحد مفتاح:

-كيف ترى واقع الساحة الثقافية المغربية اليوم؟

لا أخفيك سرا، أن الساحة الثقافية المغربية اليوم تزخر بالعديد من الباحثين والدارسين في مختلف صنوف وضروب المعرفة. و قد شهد لهم الأباعد قبل الأقارب بهذا الجهد و الكفاءة و الخبرة و التميز. و يكفي أن أذكر أسماء عملاقة من قبيل محمد مفتاح و محمد العمري و عبدالقادر الفاسي الفهري و سعيد بنكراد و فاطمة المرنيسي و عبد السلام عقاب و عبد اللطيف الإمامي و محمد أبطوي و سعيد يقطين و محمد آمطوش و محمد الديداويو عبد الرحيم العطري و نجيب العوفي عبد الفتاحكيليطو و اللائحةتتأبى عن الحصر في هذا السياق. نسجل، إذن، حركية و دينامية واضحة المعالم في ساحتنا الثقافية المغربية متمنين أن تتوسع و تستمر أكثر فأكثر.

– وماذا عن الترجمة؟ كيف تقيم وضعها عموما داخل البلد؟

في الحقيقة، يمكن أن أقول عن الترجمة إنها هي المجال المعرفي الوحيد الذي يجب على القيمين على الشأن الثقافي في المغرب أن يُولُوه ما يستحقه من العناية الضرورية و اللازمة لا محالة. صحيح أن المغاربة متميزون في الترجمة كما وكيفا نظرا لإتقانهم للغات الأجنبية، حيث يكفي أن نذكر أن عبد القادر قنيني ترجم مثلا أزيد من ثلاثين كتابا في مجال اللسانيات بصفة خاصة و العلوم الإنسانية بصفة عامة و لكن نريد أن نطور هذه الممارسة أكثر و نؤصلها و نرصد الميزانية اللازمة للقيام بذلك قولا و فعلا.لا يكفي أن نبقى مكتوفي الأيدي و البلدان تجتهد في تطوير هذا المبحث الأكاديمي يوما بعد يوم.

كيف نطور حركة الترجمة وما هي أهم المشاكل التي تواجهها؟

هذا سؤال كبير جدا، ربما لا أستطيع أن أجيبك عليه جوابا شافيا كافيا و لكن ما لا يؤخذ كله لا يهمل جُلُّه كما قالت العرب. المهم، يبدو لي على أنه إذا أردنا أن نطور حركة الترجمة فلا بد من إعطائها وضعا متميزا داخل الجامعات العربية. أنا لا أدري إن كنتَ على علم أنه لا توجد حسب علمي المتواضع جامعة مغربية لها شعبة خاصة و مستقلة تعنى بالترجمياتأو علوم الترجمة. كل ما هنالك هو تخصيص ساعة أو ساعتين في بعض الشعب لهذا الموضوع خاصة في الجانب التطبيقي و بنوع من العجالة و الابتسار. أما الحديث عن مدرسة فهد العليا للترجمة (طنجة) فإنه يدفعنا للقول إنها بمثابة ثانية من دهر و نقطة من بحر؛ أي إنها غير كافية إطلاقا في عالم اليوم المُعَوْلَم و المُتَغَوِّل و المُرَقْمَن. لا يكفي أن تُخَرِّجَ هذه المؤسسة ستة إلى عشرة أفراد في أربع لغات تقريبا إذا كنت أتذكر بعد سنتين تكوينيتين. و يشتغلون فيما بعد في ميادين بعيدة عن التنظير و التطوير و الإبداع الذي يجب أن تحظى به الترجمة؛ و بالتالي فشهادتهم شهادة أسميها بالشهادة “الخبزية” أي أن الغاية منها هي كسب لقمة العيش

ما الخلاصة التي خرجت بها كمترجم لأعمال كثيرة من الأدب الإسباني؟

أشير في البداية إلى أني أترجم حتى من الفرنسية إلى اللغة العربية و منها إلى الإسبانية و الفرنسية. و لدي كتاب عبارة عن ترجمة لثمان دراسات رائدة في مجال الدراسات الترجمية  لعمالقة في هذا الباب مثل كرستين دوريو و رونيلادميرال و غيرهم. و يحمل هذا الكتاب عنوان: “دراسات في علم الترجمة”. و كانت قد نشرته لي دار نيبور في العراق سنة 2014 حسب ما صرح به لي مديرها السيد مهند زغير لكني لم أتوصل به نظرا لظروف العراق التي نعرف جميعا.أما عن الخلاصة التي يمكن أن أخرج بها في هذا الاتجاه، فهي أن الترجمة شر لا بد منه إذا أردنا فعلا أن ننخرط في عالم اليوم و إلا تجاوزَنا الركبُ بمسافات أخرى أطول من التي يتجاوزنا بها إلى حد الآن. إن الترجمة كتابة أكثر من أنها إعادة كتابة. إنها إبداع و خلق و تفاوض و تورط و ضبط و مساءلة و مواجهة و مكافحة و منافحة و مداورة و مناورة و ذهاب و إياب و تعاسة و سعادة. إن الترجمة في ملتي و اعتقادي شرط بقاء و عليه يصح أن أقول: أنا أترجم إذن أنا موجود.إن الأُمةَ التي لا تُترجِم و لا يُتَرجَمُ لها سائرة نحو الزوال لا محالة.

– الترجمة من الإسبانية إلى العربية متهمة بأنها قليلة.. لماذا برأيك؟

صحيح أنها قليلة نسبيا، و السبب يعود إلى أن عدد “المتأسبنين” أي الباحثين في الثقافة و اللغة الإسبانيتين في الوطن العربي ضعيف بالمقارنة مع نظرائهم في الفرنسية و الإنجليزية. كما أن عددا منهم إن أتقن الإسبانية تعوزه العربية و هذه فئة كبيرة، أؤكد لك هذاالمعطى. كما نشير إلى ضعف الانتماء إلى تخصص الإسبانيات و الترجميات. إن عددا من الأساتذة الجامعيين و حتى في باقي أسلاك التعليم لم يكتب و لو سطرا واحدا يتيما أزيد من عشر سنوات. فكيف لك أن تنتظر منه أن ينخرط في مشروع فردي أو جماعي خاص بالترجمة كمشروع صالح علماني الذي ترجم حوالي تسعين كتابا من الإسبانية إلى العربية على امتداد ربع قرن؟ و نشير هنا إلى ضرورة التفات حتى المستعربين الإسبان إلى ضرورة ترجمة أدبهم إلينا بحكم معرفتهم باللغة العربية. إن هذا ليس عيبا.

– قبل كل حديث عن معركة أنسنة الإنسان: ما دور المثقف في هذه المعركة؟ السؤال هذا يستدعي سؤالا، وهل نهض المثقف، هل ينهض اليوم بهذه المهمة؟

في الواقع، يلعب المثقف دورا جليلا و رائدا في معركة أنسنة الإنسان و تحريره من ربقة العبودية و القوى الظلامية إلى المَدَنِية المتنورة التي يمكن أن يحيا فيها بكرامة. و يكفي أن نذكر  هنا جهودا مشكورة غير منكورة لمثقفين كبار في الحركة الإنسية الأوربية من قبيل دينيس ديدروو إيرازم و مادام دوستايل و غيرهم في الغرب و محمد عبده و جمال الدين الأفغاني و عبد الرحمان الكواكبي و غيرهم في الحركة الإنسية العربية. لكن، يبدو أننا بدأنا نلمس نوعا من التراخي في قيام المثقف خاصة العربي بأداء هذه المهمة الجليلة، في الوقت الراهن، و ذلك نتيجة عدة أسباب ربما يأتي في مقدمتها أننا بتنا نعيش زمن اندحار الإيديولوجيات الكبرى كالاشتراكية و غيرها.

و يبدو لي أنه لا يوجد من بين مثقفينا اليوم من يرفض تسلم جائزة نوبل للآداب مثلا بدعوى تسيِيسِها كما فعل ألبير كامي في منتصف القرن السالف. نشير كذلك إلى انسياق عدد من المثقفين العرب وراء الكراسي و السياسة و ما تفرضه من تنازلات مقيتة تصل إلى حد بيع المواقف و التضحية بالمبادئ. في المقابل نجد فئة من المثقفين تواصل التجديف و لو ضد التيار من أجل حياة كريمة لمصلحة الإنسان.

-يقول الشاعر الفرنسي(بيار ليريس)بان ترجمة الشعر أمر مستحيل وعدم ترجمته أيضا مستحيل، وماذا يقول لحسن لكيري؟

بادئ ذي بدء، لا بد من أشير إلى أنه و نحن نطالع أدبيات الترجمة تصادفنا العديد من الأقوال مثل هذه. و يكفي أن ألفت انتباهك إلى الفيلسوف الفرنسي الآخر  فولتير الذي سبق أن قال إن الشعر لا يترجم و هل يمكن ترجمة الموسيقى؟ كما أذكرك بأن الجاحظ مثلا في الثقافة العربية القديمة كان قد قال نفس الشيء؛ حيث متى تُرجم الشعرُ فسُد و بالتالي لا تجري عليه الترجمة التي هي في الأصل تسبب التَّلاسُن و التداخل و تُدخل الغبن و الضيم على اللغتين المُترجِمة و المُترجَمة و ما إلى ذلك. لكن، في الحقيقة، بعض الأقوال من هذا النوع تكون وليدة سياق ثقافي و حضاري، بل و حتى إيديولوجي معين.يبدو لي على أن الترجمة بصفة عامة و ترجمة الشعر بصفة خاصة أمر ممكن شريطة توفر المعرفة باللغتين المُترجِمة و المُترجَمة و توفر المعرفة الشعرية إلى درجة أن إدمون كاري كان قد قال، إنه لا يترجم الشعر إلا شاعر.

المصدر

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.