الرئيسية | ترجمة | حوار مع الكاتب الإسباني خوسي ماريا ميرينو حول القصة القصيرة جداً | تقديم وترجمة: الحسن أسويق

حوار مع الكاتب الإسباني خوسي ماريا ميرينو حول القصة القصيرة جداً | تقديم وترجمة: الحسن أسويق

خوسي ماريا ميرينو

تقديم وترجمة: الحسن أسويق

 

تقديـــــــــــــم

ولد خوسي ماريا ميرينو، الذي يُعدُّ واحداً من أشهر الكتاب الإسبان المعاصرين، في كورونيا (5 مارس 1941). درس القانون بجامعة كومبلوتنسي بمدريد. اشتغل بوزارة التربية، كما عمل مساعداً لمنظمة اليونسكو في إعداد مجموعة من المشاريع الثقافية والاجتماعية. ترأس ما بين 1987 – 1989 مركز الآداب الاسبانية التابع لوزارة الثقافة. منذ 1996 تفرغ للكتابة وترك كل المهام الاخرى. بدأ مشواره الادبي كشاعر، قبل أن يتحول إلى كتابة الرواية والقصةالقصيرة القصة القصيرة جداً. إلى جانب كتابته لمقالات ، بشكل منتظم، في جريدة البايس ومجلات أدبية متخصصة كمجلة الكتب وإقرا. عام 2008 عضواً بالأكاديمية الملكية الإسبانية. نال عدة جوائز أدبية رفيعة، وطنية ودولية. له اهتمام خاص بالقصة القصيرة جداً. من بين أهم المجموعات التي صدرت له في هذا الجنس نذكر: “أيام متخيلة” (2002)؛ ” قصص كتاب الليل” (2005)؛ “ملتقى الهاربين” (2007).

نص الحوار:

سؤال: من أين قدِمت إلى أحواض القصة القصيرة جداً؟

جواب: قدِمت إليها عبر طريق التجريب؛ إن القصة القصيرة جداً تفتح امكانيات تعبيرية جديدة. هي نسيج علاقة تناسبية طردياً بين الحجم والكثافة. أنا الذي أكتب الرواية والقصة أيضاً، أعرف أن هذا الجنس يلتزم بهذه القاعدة في حدودها القصوى: قاعدة التكثيف الشديد ضمن حيِّز في غاية القصر. القصص القصيرة جداً الأولى التي كتبتها كانت بتكليف من ألفونسو فرناندث فِرير الذي كان يحضّر لنشر الكتاب الرائع الذي يحمل عنوان: “يد النملة”، وذلك قبل حوالي خمسة عشرة سنة من الآن، فطلب مني أن أشارك بثلاث قصص قصيرة جداً. وهكذا كان اكتشافي لهذا العالم الجديد.

 

سؤال: قمت بإعادة قلب هذه الأحواض عدة مرات؟

جواب: بالفعل. إن القصة القصيرة جداً ليست ملخصاً لقصة أطول. يجب أن تكون في حد ذاتها قصة، أي قصة قائمة الذات ( … )، إنه جنس يمنح فرصاً للتعبير غير متاحة في الأجناس الأخرى. وهذا تقليد قديم نجده في جميع الثقافات.

 

سؤال: لكنه لم يخرج من نطاق المجهول إلا في القرن العشرين.

جواب: حدث ذلك مع النزعتين الرمزية والحداثية. فيما يهم اللغة الاسبانية، فإن دور كل من روبن داريو و خوليو تورّي  يعد دوراً رئيسياً. إنهما السباقين إلى خوض غمار التجريب، متأثرين بموروث النزعة الرمزية الفرنسية. بفضل قصائدهما النثرية القصيرة اكتشفا أنه  ضمن حيِّز قصيرجداً يمكن إنجاز أشياء خارقة للعادة.

 سؤال: ما السبيل إلى استخلاص رحيق السرد؟

جواب: بالنجاح في إصابة الهدف. يعتقد البعض أن القصة القصيرة جداً لا قيمة  لها. لكن أن يكون النص التخييلي قصيراً لا يعني أننا بصدد  قصة قصيرة جداً. إن هذا النص، على قصره،  يجب أن ينطوي على كُنه وحركة. بالطبع هو قريب جداً من الشذرة والقصيدة لكنه يمتاز بتضمنه للحركة. إنها ماهية سردية قادرة على التحرك والتغيير من البداية إلى النهاية؛ إنها تمنحنا  القدرة على التّرحُّل.

 

 سؤال: أين تقع حدودها مع  الغرغرية[1] والشذرة والجمل المسكوكة؟

جواب: في الحركة. إنها ما يميزها، كما تكمن في نوع من الإرادة الميتا – أدبية. هناك كتاب ل: ماركو دينيفي للقصص الإيروتيكية بعنوان ( حديقة المتع: أساطير إيروتيكية) عبارة عن ألاعيب وتنويعات وإعادة صياغة لموضوعات  كلاسيكية. مما يعني أنه، في بعض الأحيان، تحتاج القصة القصيرة جداً إلى قارئ مُتمكِّن وفي غاية النباهة.

 

 سؤال: خارج المجال الاسباني، إلام تعزى هذه الصحوة للقصة القصيرة جداً؟

جواب: لهذا علاقة كبيرة  بكافكا. لأنه، في سياق ثقافة القرن العشرين، هو الذي اكتشف بعض النصوص القصيرة، المكثفة والعجيبة. اكتشف قصصاً قصيرة جداً قديمة ذات علاقة بالأُحجيات التقليدية. كما أحدث لاحقاً انقلاباً طفيفاً بحيث أصبحت (القصة القصيرة جداً) أكثر تركيبية وكثافة. ثمة خاصية أخرى تتمثل في أن القصة القصيرة جداً تترك للقارئ حيزاً جد هامٍ للمساهمة والفعل.

 

سؤال: تقوم بتوريط هذا القارئ للمساهمة في إنهاء الحكاية.

جواب: بالضبط. وهذا يعد في حد ذاته  موضوعاً من موضوعات القصة. من الممكن أن قرّاءها بعدد أقل مقارنة مع الرواية؛ لأنها تفرض على القارئ المساهمة. وهذا ما يشكل عنصر البهجة في القصة الجيدة. لكن هذا لا يبهج القارئ العادي. هذا النوع من القارئ يطالبك بأن تشرح له كل شيء.

 

 سؤال: رغم أن هذا يوحي بأنك تطالب بقارئ متخصص.

جواب: لقد أصبح تداخل الأجناس الأدبية أمراً واقعاً. أستغرب أحياناً حين أسمع  في مؤتمر من المؤتمرات –  التي تنظم على نطاق واسع-  أن هناك قصصاً حول قصص حول قصص. هذا يهم جمهور القراء. لهذا تعقد غالباً مباريات القصص القصيرة جداً وتظهر نصوص تبين أن هذا الكاتب لم يسبق له أن كتب قصة قصيرة جداً في حياته. ولا يعرف بماذا يتعلق الأمر نهائياً. الكثيرون يعتقدون أن الإيجازهو الذي يصنع القصة، وأن قيمتها تتجلى في الاختصار.

 

 سؤال: إنها شبيهة بالهايكو والغرغريات.

جواب: ثمة نصوص من الهايكو والغرغريات عبارة عن قصص قصيرة جداً؛ لكن ليس كلها. في العام الماضي في مؤتمر نيوشاتل (سويسرا) كانت هناك نقاشات حادة تسعى لتحديد القصة القصيرة جداً. إن القارئ هو من يحددها.  أنت تقوم بقراءتها وتقول: ” ما أجمل هذه القصة، في هذه القصة ثمة سرد وحكاية ضمن حيِّز قصير؛ إنها قصة جميلة وأصيلة”. لكن الأصالة لا تستمدها من حيث هي قصة قصيرة جداً.  إن إحدى مشكلات التسمية ناتجة عن صعوبة أنطولوجية: عن وجودها في حد ذاتها. الحقيقة هي أننا لا نعرف كنهها بالضبط. يمكن القول إنها قطع لزجة ومتزحلقة.

 

سؤال: بدأت القصة  اسبانيا تعرف في نهاية القرن الماضي أوجها وفي هذا القرن تعرف أوج القصة القصيرة جداً. إلى ماذا يعزى هذا؟

جواب:  القصة القصيرة حاضرة عندنا لأن ثمة نماذج  نرتكز ونعتمد عليها. بعد كل شيء، نحن نكتب منذ 800 سنة. هذا التقليد في الكتابة حاضر معنا. الناشرون يراهنون على القصة القصيرة لكن ليس بنفس الدقة والصرامة على الرواية. رغم أن القراء يفضلون الأخيرة. ربما ابتداء من جيلي أنا، لأن الجيل الجيل العظيم للقصة القصيرة باسبانيا كان هو جيل الخمسينيات؛ جيل خيسوس فرناندس سانتوس، و إغناسيو ألدكوا، و ميدارلو فرايل،  و كارمن مارتن غايت. وآخرون، وقد كان هناك آخرون لكنهم لم يكونوا متحمسين للقصة القصيرة. المنتمون لجيلي رائعون لأن لويس ماتيو دييث أو خوان خوسي مياس وأنا شخصياً، كان اهتمامنا بالقصة اهتماماً جد كبير. ويبدو أنه لم يتم العودة إلى القصة القصيرة إلا بعد مرحلة  الانتقال.

 

 سؤال: وماذا عن القصة القصيرة جداً؟

جواب: لقد أصبح كتابة قصة قصيرة جداً على منوال ” الدينصور” لمونتروسو بمثابة موضة. صار الناس ينظرون إلى هذا الإيجاز نظرة في غير محلها. لقد تم إنتاج كمية من النصوص السخيفة، كما في كل الأجناس، لكنها نصوص، رغم ذلك، مرحب بها. ثمة، في اسبانيا، أشخاص يستثمرون في هذا المجال منذ وقت بعيد ك: غونزالو سواريس، وخافيير توميو، و ميّاس. الاهتمام الأكبر يوجد في أمريكا اللاتينية. ثمة صحوة في كل البقاع، حتى في زيلاندا الجديدة.

 

 سؤال: هل صحيح أن القصة جنس مناسب لهذه الأزمنة التي تمتاز بالسرعة؟ وماذا عن القصة القصيرة تحديداً؟

جواب: هذا حكم شائع. من أجل الاستمتاع بالأدب يجب أن يكون لدينا تكوين. والقارئ العادي ليس له تكوين في القصة؛ لأن الأشياء  التي لا تُعلم تحتاج  لقارئٍ  مزوّد  بالرغبة في أن يكتشف ويثمّن، في إطار صفحات معدودة، شيئاً يعجبه. إن قصة قصيرة جداً غير قابلة للمحو.

 

سؤال: إنها مثل الرسم والنحت، ثمة متعة في المشاهدة والعودة للملاحظة والتأمل.

جواب: تقريباً. فبالرغم من انها لا تتطلب إلا وقتاً قصيراً لقراءتها، فإنها حقاً تحتاج إلى قارئ مُكوّن. انها أشبه بالقصيدة، لأنه اذا تعلق الأمر بالوقت، فكل واحد له من الوقت كي  يقرأ الشعر، لكن الأمر ليس كذلك. أنا أدافع على أن  يكون للقصة موقعاً مهماً ضمن برامج التكوين الأدبي في مقررات  النظام التعليمي. أعتبر أن هذا الإجراء هو بداية المشوار من  أجل تشكيل الذوق الأدبي.

 

 سؤال: بالإضافة إلى ذلك، من المعتاد أن يلامس القص القصير جداً موضوعات جذابة مثل هذا المجال الحدودي للحلم.

جواب: يمتاز هذا الجنس عن غيره بهذا اللعب الرائع. والحلم فضاء يهمني بشكل خاص. هذا الاستحضار للحُلْمي، والاهتمام بالغنائي من بين العناصر المكونة للقصّ القصير جداً، مثل البراعة والنباهة والدقة في اختيار واستعمال الكلمات. فضلاً عن الفكاهة بطبيعة الحال؛ أتذكر حكاية “لكرونوبيوس وفاماسلكورتزار، تعج بالقصص القصيرة جداً، حيث يقوم باللعب على السخرية. إن المنظور الساخر يعد سلاحاً آخر يمكن القارئ باستكمال ما لا يعبر عنه  الكاتب بشكل صريح.

 

 سؤال: في قصتك القصيرة جداً  “النظام البيئي”[2] التي تتمحور حول البونساي تروي قصة العالم.

جواب: للقصة القصيرة جداً عموماً بعض القواسم المشتركة مع البونساي كتعبير عن عينة صغيرة من البستنة الأدبية، التي علينا أن نجعلها تنمو في جميع أبعادها ضمن حيز قصير. أنا أقوم دائماً بتوظيف قصة “أبو الهول” لإدغار ألان بو لكي لأشرح معنى الكتابة. في هذه القصة، ثمة رجل يعتقد أنه يرى في فراشة ليلية تنيناً مفزعاً يتسلق جبلاً. إذن، فرؤية الكاتب تكمن في أن يرى ما هو خارج عن المألوف. هذا ما يجب رؤيته.

سؤال: في قصة من قصصك التي أهديتها لماتيو دييث تعبر عن نوع من التوجس من غزو القصّ القصير جداً.

جواب: ههههه…. في النهاية، هذا أمر خطير. في مهرجان هاي بقرطاجنة ، في يناير الماضي، قرأنا قصصاً قصيرة جداً أعجبت الجمهور. إن القصة القصيرة جداً، إذا قًرأت، تثير الاعجاب. إنها تخلق نوعاً من التواطئ.

سؤال: قصصك القصيرة جداً ترتبط بالواقع انطلاقاً من التخيّل الممزوج بالنقد والسخرية.

جواب: في أسلوبي الجمالي، وحتى وإن كان الأمر يتعلق بقصص فانطاستيكية عموماً، فإنني أنطلق دائماً من مشاكل واقعية، يومية. لا يمكنني الانفلات من ذلك. بخصوص التغيرات المناخية أو بخصوص الحروب في فلسطين …. أنا أحب هذه الإمكانية التي تمنحها القصة القصيرة جداً لقول الكثير من الأشياء. بالرغم من صعوبة الأمر، فإن هذا التكثيف هو ما يهمني. القصر في حد ذاته ليس بقيمة. القيمة هي أن تمنح تعبيرية سردية لنص قصير يوسع  الأدب ويغنيه.

قصة قصيرة جداً

النظام البيئي 

تلقيت من حفيدتي، يوم عيد ميلادي، هدية عبارة عن بونساي وكتاب للوصايا أوصتني للاعتناء به. وضعت البونساي في المعرض مع باقي الأُصُص علّها تزهر. في الخريف، ظهرت حشرات صغيرة في تربتها؛ لكن بدا أنْ ليس في ذلك أي ضرر بالبونساي. ذات صباح  ربيعي، عندما حان وقت سقيها، تراءت لي كائنات تحلّق بين الأوراق. متسلحاً بالصبر وبعدسة مكبرة، أدركت أن الأمر يتعلق بوجود طائر صغير. في وقت وجيز، امتلأ البونساي بالطيور وهي تلتهم الحشرات. في نهاية الصيف، اكتشفت وجود امرأة  صغيرة عارية متخفية بين جذور البونساي. بتحرياتي الدقيقة، أدركت أنها تأكل البيض الموجود في الأعشاش. أنا الآن أعيش معها، وقد توصلنا إلى حيلة لاصطياد الطيور. يبدو أنه لا أحد في المنزل يعرف أين أنا. حفيدتي، الحزينة جداً لغيابي، تعتني بنباتاتي تعبيراً عن تكريمها للغائب المختفي. في واحدة من الأُصُص، على مسافة بعيدة، تراءى لي وجه حيوان الماموثْ.

ــــــــــــــــــــــ

رابط الحوار:

https://elpais.com/diario/2007/09/01/babelia/1188603550_850215.html 

أسلوب أدبي من ابتكار الكاتب الاسباني رامون غوميث دي لا سيرنا عام 1917. الغرغريات (أو الغرغورياس) نصوص قصيرة من جملة واحدة، تقوم على المفارقة، و يتم التعبير فيها عن فكرة أو مفهوم محددين، بطريقة إبداعية  ساخرة. [1]

 أنظر ترجمة هذه القصة أسفله.[2]

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.