الرئيسية | سرديات | تفهمني؟ | أيمن الدبوسي

تفهمني؟ | أيمن الدبوسي

أيمن الدبوسي (تونس ):

 

      إنّه ولد مطيع ومندفع. تفهمني؟ ولد شاطر. لكنه أحيانا يثير غضبي. دائما ما أحاول حمايته. لكن حين يُفقدني أعصابي أضربه. أضربه وأندم. تفهمني؟ هو يعرف مقدار محبتي له. يعرف أني أفضّله على إخوته. أضربه حين لا يفهمني. تفهمني؟ إنّه مُختلف. أعرف أنه بطيء الفهم. الدكتور قال عنه منذ أن كان رضيعا بأنّه سيكون ولدا مختلفا. لكن، أحيانا، أحسّ أنّه ذكي. أعني “يحسّ بي”. تفهمني؟ يحسّ بي ويفهمني. لا أحبّ أن يسخروا منه أو يضحكوا على ذقنه. هو يعلم ذلك. لكنه يصرّ على ارتكاب نفس الحماقات دائما. أنا لا أستطيع أن أكون معه في كل مكان. تفهمني؟ يجب أن يعوّل على نفسه. لن أكون موجودا معه إلى الأبد. أعاتبه لأني أحبّه. لكن من سيعتني به بعد منام عيني؟ أمّه تميل لإخوته. وإخوته لا يحبونه. أعرف أنّهم لا يحبونه. سيلقون به في الشارع. أولاد العاهرة لم يحرّك لهم جفن حتى حين أوقفته الشرطة. سأنكّل بهم. أنا لم أتصوّر أن يفعلها. تفهمني؟ لم أتصوّر أن يهاجم شرطي المرور. لم أتخيل أن يأخذ ما قلته في لحظة غضب على محمل الجد. هم لن يسجونه، ها؟ سيطلقون سراحه، دكتور. أليس كذلك؟ لا أحبّ أن يُقال عنه مُتخلّف عقلي. إنّه يفهم أغلب ما يقال، لكن بشكل مُختلف. هذا كلّ ما في الأمر. تفهمني؟ لكن إن كانت شهادة الإعاقة الذهنية ستطلق سراحه فلا بأس بذلك. أنا لا أحبّ أن يقال عنه مُتخلّف أو مصروع. تفهمني؟ إنّه مُختلف. مُختلف. فليأخذوني بدلا عنه إن لزم لأمر. ربما كان عليّ أن أزن كلامي قبل أن أنطق به في حضوره. أنا أعلم أنّه قام بذلك الأمر عن طيب خاطر. لقد ظنّ أنّ ذلك ما كنت أرغب فيه فعلا. تفهمني؟ أنا المسؤول. لكن عن غير قصد. لقد سبق وأن قام بأمر مشابه. ليس مشابها تماما. لكنه مشابه. لقد اقتلع ضرسا بأصابعه العارية. تفهمني؟ اقتلعه من منبته وجاءني به. فعل ذلك لأجلي. تفهمني؟ أنا فهمت أنّه قام بذلك لأجلي. آلمه أن آلم لألمِه. لم يحتمل. تفهمني؟ لم يحتمل أن يراني حزينا بسبب ضرسه التي كانت توجعه. قلت له بأن يصبر يوما أو يومين حتى أتدبّر المال الكافي وآخذه لطبيب الأسنان. لكنه لم يحتمل رؤيتي حزينا على ألمه. نزع الضرس التالفة وجاءني بها في كفه الدامية ليقول أنّه لم تعد هناك حاجة لأن أتدبر المال وآخذه للطبيب. تفهمني؟ كان فرحا مبتسما رغم الوجع والدماء. لقد أبكاني يومها. تفهمني؟ أبكاني وأضحكني. لكنّه أرعبني هذه المرّة. إنّهم لن يأخذوه إلى السجن دكتور؟ ها؟ سيطلقون سراحه لأنه مُختلف. أليس كذلك؟ لقد صُدمت وأنا أرى العينين بين يديه. عينان طازجتان. لقد أقتلع عيني الشرطي. لم أتصور أن يرجع إليه ويأتيني بعينيه. أنا تمنيت أن أقتلع عينيه لأنه تعامى عن كل من في الطريق. لم يوقف سوانا ولم يحجز غير دراجتنا النارية الخردة. لقد اضطررنا للعودة إلى البيت مشيا على الأقدام.

تفهمني؟ أنا كنت مغتاظا وحزينا. لكنّي لم أتصوّر أن يقلع عيني الشرطي ويأتيني بهما في راحته لأفقسهما كما تمنيت. تفهمني؟ لقد فعل ذلك لأجلي. لأجل عيوني. تفهمني؟ تفهمني؟.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.