الرئيسية | فكر ونقد | تجربة الحلم والخسارة في سيرة إدريس الجبلي في رواية ” مدشر الضياع” لمصطفى الجرتيني | جمال الدين حريفي

تجربة الحلم والخسارة في سيرة إدريس الجبلي في رواية ” مدشر الضياع” لمصطفى الجرتيني | جمال الدين حريفي

جمال الدين حريفي.

استهلال:

وهو المدشر الذي يقول بشأنه المغني:
” الله الله يا أمي يا حَنَّا
دُوارْ الْعجبْ راني فِيهْ
يْلَا كْلَيْتْ مَا يْبانْ علِيا
وْيْلاَ ضْحَكْتْ نَنْدَمْ عْلِيهْ”
ـــ فهل سيجد إدريس سببا جديدا للضحك بعد أن غُلِّقت في وجهه كل أبواب الأمل، وندم على السنوات التي أمضاها تتقاذفه  الخيبات بمضاربها ككرة السكواش؟
ـــ هل سيجد مورد رزق يحفظ  له بعض الكرامة، ويعفيه من مذلة السؤال، بعد أن غادر الوالدان تباعا دار الفناء، ولم يرث من الأم غير رقة الجانب ورهافة الحس، و من الأب غير الجلباب والسبسي وبطيقة الكيف؟
ذلك هو السؤال الذي ينغرز بين أضلاع إدريس وأضلاع أقرانه من شباب مدشر ” الضياع”.

  3
تقديم:
“سيرة قروي معطل” هو العنوان الفرعي للرواية التي اختار الكاتب مصطفى الجرتيني أن يخرج بها إلى النشر الورقي، بعد تجربة موفقة في النشر الإلكتروني على صفحته الخاصة، وعلى صفحات الكثير من المواقع الأدبية.
الرواية تحمل عنوانا دالا على عوالمها وأحداثها وشخوصها، ” مدشر الضياع”، وتحكي سيرة واحد من شباب هذه المداشر النابتة على الحواشي والهوامش، في السهل والجبل والريف وبين طيات ضلوع البلد. استطاع الولد بمغالبة الحظ وموافقة الطالع للمكتوب، أن ينتزع أربع شهادات تعليمية من بين فكي واقع كالكامشة، عَضَّتُه لا ترحم، ولا ترتخي أنيابها عن عمر الإنسان وأمله وحلمه، إلا بعد أن تقطع اللحم وتهرس العظم.
حكاية مدشرٍ إذن، وحكاية واحد من شبابه، سيرة شخص/ بطل يتخطى شرطه الاجتماعي ويسعى أن يرسم مستقبلا بسيطا على قدر أحلام أمه:
“أن يجد وظيفة عند المخزن تضمن له حياة سهلة، ويبني أسرة وينجب أطفالا، وأن يرسلها هي لزيارة مقام النبي، فتناديها الجارات ( يا حاجة) ويناديها الأحفاد (يا جدتي)”
وعلى قدر همته هو، وطموحه الشخصي:
“أن يصبح محاميا يدافع عن حقوق المحرومين والمعدمين والمظلومين”.
ولكن دون ذلك خرط القتاد، إذ كيف لمن ولد في هذا المدشر بالذات، أن يحقق آمال أمه، فتموت وهي راضية بنصيبها من الدنيا، مرتاحة البال على مآل فلذة كبدها؟
وكيف له أن يحقق أحلامه وطموحه الشخصي، فيضمه ومن اختارها  القلبُ البيتَ نفسه، ويلبس البذلة السوداء ويقف أمام منصة القضاء وميزانها ليرافع ويدافع، ويحرر لسانه ونفسه من كبت السنين وظلم الآدميين”؟
أحداث هذه الرواية  تنضح بالرائحة  النفاذة القوية لساكنة الجبل ومشاعرهم وعلاقاتهم، وبعطر اللهجة المحلية الذي يترك أثرا لجرسه في النفس وفي الأذن، فهي مكتوبة بروح ساخرة، سخرية مرة، وبألمِ وحرقةِ من يرسل نداء استغاثة بعد أن عز المجيب، ولعل هذا أن يكون الدور الحقيقي للكتابة، ولعله أن يكون أيضا الرسالة الحقيقية للأديب، أي، أن يلفت النظر للهامشي وللمقصي والمنبوذ والمبعد، حتى يأخذ  حظه من التنمية والتطوير والتحديث والتثوير، كما أخذه غيره  من الناس، إذ ــ ليس الفرق بين الشباب والفتيان في نبوغ أو ذكاء، وإنما هو فرق في الحظ  فقط ــ “على حد تعبير صديقتنا الكاتبة مريم التيجي في تقديمها لهذا الكتاب”
الحظ الذي هو هنا  طبعا ” العدالة الاجتماعية والمجالية بين الناس وبين الجهات”
الرواية تقدم عرضا يشد الانتباه عن الحياة والعادات والقيم في مدشر جبلي، كما تقدم عرضا معتبرا ومفيدا للدارس والمحلل عن الآثار المفجعة للإقصاء والتهميش على النفسيات والناس ” كالإدمان والممارسة الجنسية على  الحيوان وعادة اغتصاب الأطفال، والاكتئاب والقلق، وعدم التوافق الاجتماعي، والفحش اللفظي والدجل والتلصص …. إلخ ”
ألم يقل أحدهم بأن الرواية تقدم للقارئ ما تعجز الدراسة النفسية والاجتماعية عن الإحاطة به أو إمساكه، إنها تقدم الحياة كما يعيشها الناس، وفي ذلك شرف الكتابة الروائية وقيمتها.
سيرة “القروي المعطل” في نهاية الأمر تتجاذبها و تصنع مصيرها وتحدد مآلها قوتان رئيسيتان.
1) قوة النبذ والإقصاء.
2) قوة الجذب والاحتضان.
وهما القوتان اللتان نقترح في هذه القراءة عرض  فعلهما وتأثيرهما على سيرة البطل.
فلمن سيكون النصر في النهاية،  أللإقصاء أم للاحتضان؟
ذلك هو الرهان الفعلي لهذه الرواية.

* (قوة النبذ والإقصاء)

                * مدشر الضياع وأهله ثم الآخرون:

 أ) المدشر:
المدشر هذا،هو مدشر الضياع فعلا، فالعيش فيه كمشهد من العيش  بمزرعة للأشباح المسرنمة اقتطع من شريط طويل للضجر والملل والكآبة والقنوط والرتابة. الهواء حامض، والتراب بارد، والكلام سموم وسهام، مكان من أمكنة الخرافة والدجل، والمكر، والسحر والعين والحسد، مدشر لا ينعتق من رسنه من ولد فيه، وأبناؤه، لا يخرجون منه إلا ليعودوا إليه وليس في قفتهم غير الخيبات، وليس في حلقهم غير الغصص ـ إدريس واحد منهم، وقبله الحسن، وقبله آخرون، وآخرون، وربما أخريات لم تأت على ذكرهم الروايات ـــ. أما العابرون، فهم مجرد سياح أو زوار أو مسافرين، قد يمرون بمحاذاته دون أن يروه، أو في أحسن الأحوال قد يرون القطعان والرعاة والبنات يغسلن الثياب أو الصوف على جنبات الآبار، فيقولون في أنفسهم أو لأصحابهم ” ما أحلاها عيشة الجبل، الهواء النقي، والأكل الصحي، والنضارة تشع من العيون” ثم يواصلون: إيخ من التمدن والحضارة التي تقتلنا”.  غير أنه لا مجال لهم أن يعرفوا أو يطلعوا على  سر الطاعون الأسود الفتاك الذي ينهش المدشر وأهله، سر الجذب والأخذ والعزل والحجز وقلب الأحلام إلى أوهام والأيام إلى جحيم، فهو يعذبهم ـ  أي المدشرـ  ويجلدهم ويشوي آمالهم وأحلامهم على حطب  الفجيعة الصامتة، دون أن يستيطعوا الإفلات من قبضته أو مخالبه أو أنيابه أو ألسنته، مدشر ” مستبد يتلذذ بعواء ضحاياه”  ولا يبقي لهم في الأخير غير الرضا والاستسلام لقضائه، أو الموت كمدا بالأمراض والعلل والأسقام، التي لا يداويها مستوصف ولا يشفيها كي أو تعازيم فقيه، أو الإدمان على الكيف والحشيش والتيه وراء القطعان.
مدشر الضياع هذا، هو أيضا ” نموذج تمثيلي” لآلاف المداشر والقرى والدواوير التي تعيش على خط التماس مع الحاضر الذي يعرفه الناس دون أن تنتمي له، أو تنخرط فيه، أو تستفيد من بدعه ومحدثاته التي جعلت حياة الناس أفضل.
على خط التماس مع التوين سنتر وناطحات السحاب والملاهي الليلة وسيارات الدفع الرباعي واليخوت والأطوروت والتيجيفي والجامعات والمعاهد و العيادات والمراكز الاستشفائية والمجتمع المدني والجمعيات الحقوقية، وكل الوسائط  والوسائل التي صارت تيسر العيش دون أن يكون لذلك أثر يدخل بيوته أو نفوس أهله أو ينعكس على حياة الساكنة وعاداتها.
ليس للمدشر  حضور على صفحات التنمية إلا  إذا تعلق الأمر بخارطة تقسيم الأمكنة والجهات، وكذلك ليس له مثل آلاف المداشر ماض، فقد مرت كل الحضارات على أرضه ولم تترك أثرا أو علامة. وإلى جواره تقوم الحضارة العصرية بفعلها في المدن وفي القرى المحظوظة دون أن تنصفه أو تصل رحمه.
 ب) أهله:
مدشر غيتو، يعزل ويفصل ويحجز.
بيوت واطئة ومسارب ودروب وبضعة أناس أو مئات الناس يعيشون بمحاذاة بعضهم البعض، مع كثير من الحقد والحسد والغيرة، وقليل من الكبرياء والأنفة والعفة، لكن قلة ذات اليد تكسر أنف الكبرياء وتلوي ذراع الأنفة والكرامة وتحاصرها لتجعلها مثار سخرية واستهزاء من طرف الطفيليين ومحترفي الغيبة والتقول والافتراء، بين أضلاع المربع العجيب الذي يستخف بالعقل و يستنزف الجيب.
1) فقيه الجامع
2) مدير المدرسة
3) ممرض المستوصف
4) إقطاعيو القرية (إن صح أن نسميهم إقطاعيين)
وفي الوسط  بين الأضلاع تدور الرحى  فتطحن العمال الزراعيين أوالعاملات المياومات بالقفة أو بالدرهم، ورعاة القطعان، ولا بأس أن يحمل أحد الرعاة شهادة جامعية في الحقوق ويرافق الشياه إلى المروج وبين يديه السبسي بدل الناي الذي يتغنى به الشعراء. فالفقر لا يفرق بين الأمي والمتعلم. ولا يقيم وزنا للشهادات.
هذا هو المدشر، تهيمن عليه قلة من الميسورين ويتأرجح ولاءُ وعطاءُ ناسه بين الأضلاع التي تسوره فلكأنه قلعة محصنة “داخلها” مفقود وإلى الأبد.
شرط إنساني لا يرحم المستضعفين ولا يبالي بكرامتهم.
وحصار شامل كامل، لامفر منه ولا مهرب لمن  وجد بين أضلاع مربعه الأربعة:  فقيه، ممرض، مدير، وإقطاعي. وكل مولود لا ينتمي بالولاء لهذا المربع السعيد، لا حظ له في أن يخرج أو يدرج أو يحلق بجناحين.
* فقيه كل همه السخرية ونفخ الريش بين أتباع يهللون ويبجلون ويخدمون على قدر الطاعة، منتظرين نصيبهم من المباركة والرضا، ومتحسرين على النصيب الذي لا يصلهم من الديكة والبيض الذي تقايض به النساء عقب الصلوات دعواته وأحجبته، وأعاجيب أخرى لا يطلع عليها أحد، فهي سر من أسرار الجامع الكبرى.
* ممرض جعل لكل دواء مقابلا من السمن أو الدجاج أو البيض.
* مدير يغض الطرف عن الرجل الذي لا يصلح لغير حمل الفأس، ويقبل به تلميذا في مدرسته مقابل ليترات من الزيت البلدي.
أما الميسورون فيعرفون كيف يعصرون زيت العرق من قنة الرؤوس الحسيرة ومن سواعد الأسر الفقيرة مقابل حفنة قمح، أودريهمات لا تحسن الفقيرات عدها.
هؤلاء سدنة المدشر وسادته، ثم طبعا:
* عليلو تابع الفقيه وخادمه المطيع، والذي لا يترك مناسبة أو فرصة تمر دون أن ينكد على سيموحماذ وعلى زوجته وعلى إدريس عيشتهم، ويذلهم، ويجهر بإهانتهم.
* الجارات اللواتي لا يتوقفن عن التجسس والتقول والنميمة والسخرية، والهمز واللمز في  البطل  الحشاش الذي تدعي أمه بأنه لا يقبل الوظائف التي يعرضها عليه المخزن لأنه يستحق أكثر، بينما أسنانه تتفتت بفعل الكيف، وهي لا تلاحظ ذلك.
* العربي ” لاجودان”: الخال الذي يستغل رغبة الأخت في متابعة ابنها للدراسة فيدفعها إلى أن تتنازل له عن  قطعة أرضية هي حصتها من الإرث ليبيعها ويستفيد من الثمن في بناء منزله الخاص.
 ج) الآخرون:
1) مسؤولو الخيرية الذين سيطردون  إدريس من المؤسسة لأنه بدل أن يأكل القوت ويشكر المحسنين، شرع في تحريض القاطنين على الاحتجاج والمطالبة بأكل أحسن.
2) زملاء الخيرية الذين تخلوا عنه في أول امتحان، والرفاق بالجامعة الذين يفضلون النضال وراء الأشجار صحبة الرفيقات، على عناء الدراسة والتحصيل.
3) صاحب الورش الذي سيحرض عليه ” العطاشة” يوم سأله أن يقبل به عاملا لديه.
4) جار ولد الخمار الذي سيسخر من يديه الرخوتين كأيدي الفتيات، يوم بات عنده، بدل أن يبيت عند صديق والده، الذي خاف على سمعة بناته من كلام الناس، لو أنه سمح للفتى بالمبيت عنده، الفتى جاء يطلب عملا فلما اقترحوا عليه أن يساعد في حفر البئر، تبول عمدا على فراش نومه ثم انصرف، معتقدا بأنه قد انتقم لكرامته ممن أهانوه وسخروا من يديه الرخوتين.
* قوة الجذب والاحتضان :
                     * الأسرة والأصدقاء ثم الآخرون
أ: الأسرة
في هذا المدشر سيولد إدريس، لأب رأى فيه رمزا لفحولته، وانتقاما لكرامته التي تلوكها أفواه المتحلقين حول الفقيه، ولأم رأت فيه خلاصها من كماشة القنوط واليأس والغم والتعب والشقاء المتواصل، خاصة وأنها تعرف أن الإناث لا مكان لهن هنا ولا مستقبل، سيكون الذكر الوحيد بعد أربع بنات.
1) الأب سيموحماذ، يرى فيه الخلف، ويحلم أن ينتقم به من خصومه في الدوار، يود لو يستطيع هذا الوافد الجديد أن يرعى القطعان ويخفف عليه عبء شراء الكيف بما سيجنيه من دراهم، أو أن يصبح فقيها ينافس في المكانة والحظوة  فقيه الجامع، وينسى أنه وفي غفلة من  الأماني الكاذبة قد علمه التمييز بين الكيف “المسوس” والكيف “المدرح”  ولم يعلمه التمييز بين الأرقام والحروف، وينسى أنه في انتظار أن تجود ساحرة الأحلام عليه بالخيرات والنعم ما زال يتقاسم معه السبسي نفسه ويستنشقان معا الدخان نفسه وينفثان الذبالة في الكأس نفسها حين ينتشيان، دون أن يعرفا متى بدأ بينهما هذا التواطؤ العجيب ضد الكلفة التي تفصل عادة بين الآباء والأبناء، وضد تقاليد وأعراف الاحترام والوقار الذي توجبه العلاقة  بين الكبار والصغار، وضد سلامة الصحة وقوة البدن التي يعولان عليها معا لكسب المعاش والاستغناء عن الناس. سيرى سيموحماذ دائما في إدريس، خلفه ووارث سره وبرهان فحولته، وأحيانا سيرى فيه مورد رزق محتمل، أو مجرد رفيق وأنيس في جلسات ” النشوة” بجرعات الكيف. أوفقط خير من يشتري الكيف، وأفضل من يقصه. وفي كل الأحوال، وحتى دون أن يوليه  ما يستحق من اهتمام فإن الولد سيكون معجبا به، ومعجبا بتمرده على العادات والقواعد والعبادات المزيفة لأهل الدوار، سيمضي الولد ويعود بعد كل خيبة إلى المدشر، وستمضي الحياة بالأب في صراع صامت مرة وعلني في أغلب الأوقات مع الفقيه و أتباعه، سيحتمي بصداقات متينة في الدوار المجاور، ويبقى ثابتا على موقفه، مثلما يبقى الفقيه ثابتا على موقفه حتى يفصل بينهما هازم اللذات ومشتت شمل الأحباب والأعداء، فينتقل السيموحماذ إلى المقبرة، و يكون السير وراء جنازته غاية  المنى ومنتهى النجاح عند الفقيه ومريدي الفقيه.
عاش السيموحماذ منبوذا ومقصيا ومهمشا بين أهل الدوار بسبب وقوفه في وجه  سيد الجامع، لقد كان نوعا ما، البعير الأجرب للمدشر. رفض الجماعة ورفضته الجماعة، وربما كان يلجأ إلى السبسي ويغرق في عالم الكيف بسبب عدم فهمه للقدر الذي جعله ما هو عليه، ربما هو أيضا كان يود أن يغادر أو يهاجر أو يضرب في الأرض بحثا عن آفاق أخرى، ولكن غولة المدشر سمرته في المكان الذي هو فيه، فلا هو يستطيع أن يترك ذلك الركن من الحوش، ولا هو يستطيع أن يتخلى عن”ربطة” الكيف التي تساعده على نسيان طغيان الفقيه وأهل الدوار وكلاب الدوار التي تلتف حوله.
يحسب له  ــ وهذا ما تشهد به زوجته رحمة وابنه إدريس ـ  أنه الوحيد الذي تجرأ على رفع صوته في وجه الفقيه المنافق، وأنه الوحيد الذي استطاع أن  يفضحه ويكشف حقيقته، حتى وزوجته تسخر منه معلنة بأن الحقيقة الوحيدة التي  كشف عنها أمام أهل الدوار،هي عورته، يوم تعرى أمام الجماعة باب المسجد.
المهم أنه لا ينافق، ولا يبصبص بذيله لأحد، وهي الخصلة التي استطاع أن يغرسها ويرعاها في نفس إدريس، أثناء الجلسات الطويلة التي كانا يقضيانها معا في ” قص” الكيف و”تدريحه” دون أن تعلم رحمة بشيء، بل لعلها الميراث الوحيد الذي تركه لابنه في هذا المدشر الظالم إلى جانب الجلباب والسبسي، وما أعظمها من تركة ــ النفخة و الشقف ــ
عاش سيموحماذ ومات، غير راض عن عيشته، وغير راض عن الناس وعن الحياة.
2) الأم رحمة: بكل  الحزم المطلوب من قروية عاقلة، ستدفع بإدريس إلى الأمام على الدوام، لأنه خشبة خلاصها من المستنقع الذي تعلو مياهه النتنة فوق الرؤوس لتغرق الجميع، البنات لن ينفعنها في شيء، وفي أحسن الأحوال ستكون الواحدة منهن سيدة في بيتها تغالب قهر الزمن والأولاد، أو تنكد الحياة على زوجها وجاراتها، سيكن شبيهاتها، وسيعرفن المصير نفسه، لن يأتي أمير الخرافة ليحملهن على ظهر فرسه الأدهم، ولن تتحقق نبوءات العرافات، إلا إذا كانت نبوءات سوداء، وهي الأم المهضومة الجناح ترى في هذا المدشر ما عليه حال الذكور، وربما تمنت في سرها أن تكون ذكرا، ولم تقل ذلك لأحد، لكن الفرصة واتتها الآن لتحقق حلمها، يمكنها أن تكون أم الرجل الفحل  المنقذ والمخلص، ومبطل السحر الأسود للمدشر اللعين، ستدفع به إلى الأمام، وستتعلق برقبته لعله يخرجها من هذا المستنقع، أن يعيش أولا، هذا حلمها، وأن يكون موظفا يركب السيارة، ويضع النظارة، وربطة العنق، وأن يسكن في المدينة وأن يُكَوِّنَ أسرة، وأن يرسلها إلى الحج، فتقول لها الجارات يا حاجة ويقول لها الأحفاد يا جدة.
لعل هذا ما كانت تحلم به في طفولتها مصير لها. ولكنه لم يتحقق، فكيف تضيع الآن هذه الفرصة التي جاءتها إلى حجرها؟ كيف لا تتعلق بهذا الطوق الذي ساقته لها يد القدر الرحيمة لتخرجها من  حياة البؤس والنكد.
ستعمل رحمة جاهدة لكي تصون حياة ولدها، وستطلب له العلاج عند الفقيه، حتى وهذا الأخير لا يكن لها ولا لزوجها غير العداء، ستصبر  للمز وغمز”عليلو” خادم الفقيه وتابعه، ثم ستأتي الصدفة العجيبة لتعتقها من الوساوس التي كانت تطرد النوم عن جفونها، ستكتشف ميل الولد للقراءة، فتنفتح أمامها كوة أمل، ستخطف الطفل/الرجل من وراء القطعان وتجره إلى المدرسة ولا تعود إلا وقد ضمنت له مقعدا في فصولها، وستدفع به بعد حصوله على الشهادة الابتدائية إلى الخيرية ثم إلى أخيها بعد أن عاد من الخيرية مطرودا و بجيبه شهادة التعليم الإعدادي، حتى وهي لا تعرف ما سيصنع بهذه الشهادة، ثم ستتنازل لأخيها عن نصيبها من الإرث، فقط من أجل أن يأخذ الولد معه، وهذه المرة أيضا سيعود إليها الولد مطرودا ليصادف وفاة الأب، لكنها لن ترتاح حتى تدفع به من جديد إلى متابعة الدراسة، وسيواصل الولد رحلته العسيرة حتى يعود إليها في الأخير بشهادة الإجازة، وبخيبة  سوداء قاتلة ، فهذه المرة ليس ينفع زيت ولا زيتون ولا تين ولا بيض ولا ديكة، فالولد يحتاج إلى مبلغ ضخم لكي يحقق حلمه/ حلمها/ حلمهما، ويلتحق بسلك المحاماة. هو لن يستطيع تأمينه وهي لن تستطيع تأمينه. إذ من أين سيأتي ابن المدشر/ المعقل بهذا المبلغ؟ ومن أين ستأتي به الأم الأرملة؟
أيكون العجز هو الذي عجل بمرض رحمة ثم بموتها؟
أتكون خيبة أملها هي التي عجلت برحيلها؟
ثم ما عساها ستفعل في هذه الدنيا بعد أن أخفق المشروع الذي استثمرت فيه كل طاقتها وجهدها وخوفها وحنانها وحيلها وصبرها؟
لن تكون حاجَّة، ولن تكون جدة، ولن تكون أم الموظف في المخزن، فالأولى لها أن ترحل.
ماتت رحمة، قتلها الإحباط وخيبة الأمل، مثلما قتلا قبلها السيموحماذ.
ومثلما سيقتلان ضحايا غيرهما.
3) الأخوات: هن أربعة، خرجن إلى الوجود قبل مجيء إدريس، وبعد خمسة ذكور لم ير أي منهم النور. لكن مصير البنات في مدشر الضياع لا يشبه مصير الذكور، مصير البنات شبيه بمصير الأمهات، سيتزوجن وينجبن ويقضين العمر بين الطبخ والكنس والغسيل، وغزل الكلام مع الجارات أو كسر الصحون والندب ب” شقوفها” على العمر الذي ضاع مع تيس يذكرهن في كل مرة بأنه رب المنزل وسيده، حتى وإن كانت بعضهن هن اللواتي يطعمن السادة، ويغسلن أوساخهم، ويأتينهم بدراهم قليلات يشترون بها حصتهم من الكيف.
الأخوات كن أربعة، سيظهرن بمناسبة ولادته، ثم بمناسبة وفاة الأب وأخيرا بمناسبة وفاة الأم. وسيساعدن قدر المستطاع ذَكَر العائلة على متابعة دراسته لأن الأم طلبت ذلك.
أخوات على الهامش، يعشن النبذ والإقصاء الذي لا يقال، وإذا كان حال  الذكور في المدشر  كحال العبيد المخصيين، فما الحاجة للتذكير بواقع النساء. إنهن في حكم  الإماء والسبايا.
ب: الأصدقاء:
* أصدقاء الوالد:
1) المختار:
الوحيد من أهل المدشر الذي ظل واقفا إلى جانب الأب، يبرر سلوكه، أو يبحث له عن  المخارج من الورطات وعن السند والمساعدة عند الجماعة، ويستعطف الفقيه عساه يتراجع عن حصاره وتحرشه به وسخطه عليه، لكنه في الأخير سيذعن لرأي الجماعة ويتخلى عنه.
2) ولد الخمار: صديق الوالد من المدشر المجاور، كان الملجأ على الدوام للسيموحماذ في أوقات الضيق، يقرضه ويشتري منه ويساعده كلما طاله الحصار واشتد عليه الخناق، وسيحاول أن يقوم بالدور نفسه لفائدة إدريس، حين التجأ إليه هذا الأخير بحثا عن عمل، ولكنه لن يوفق في ذلك.
* أصدقاء الولد:
1) لحسن:
المعلم والمرشد الأول، رفيق المرعى والدليل على درب القراءة والتعلم.
لحسن سيستسلم قبل الأوان كالغريق الذي رأى الموت قادما فتخلى عن كل مقاومة، سيشق كل الدروب التي اختار إدريس أن يقتحمها، وسيصل إلى المبتغى الذي يحلم إدريس بالوصول إليه، وسيطوي جناحيه على الخيبة اللعينة نفسها التي سيكتشفها إدريس بعد حين من الزمن،ولكنه نكاية في الواقع المفجع ونكاية في فشله وعدم قدرته على قهر المعيقات والحواجز، سيعمل جاهدا على نقل كل خبرته وتجربته لتلميذه ورفيقه، إنه يتصرف بروح أولئك المحاربين الذين لم يعد لهم مجال ولا مكان في ساحة القتال، فهم يدربون محاربين جدد من أجل الانتصار، ذلك الانتصار الذي سيكون في النهاية انتصارا لهم، إنهم يحاولون تخطي الخيبة والإحباط.
لحسن ورحمة وجهان لتجربة واحدة ورغبة واحدة، هما معا فشلا، وهما معا يودان أن يأخذ لهما إدريس بالثأر من هذا الواقع العنيد، الذي لا يطأطئ الرأس إلا للمحظوظين وأولاد ” الذوات”.
وإدريس هو أول من يعلم ــ حتى وإن لم يصرح بذلك لأحد ــ أن الأمانة ثقيلة، وأن الثمن باهظ، فنجاحه “رسالة للمدشر كله”  على أن الإفلات من كماشة الضياع أمر ممكن، لكن هل سيستطيع النجاح في مهمته والإفلات بجلده؟
ذلك ما كان يتمناه لحسن وهو يشد بيد الولد الصغير ليعلمه كيف يخط الحرف الأول على صفحة التحدي وكيف يتهجى السطر الأولى في محاربة التهميش.
2) حنان:
وحنان هي هدية القدر لإدريس، حين شاء القدر أن يبتسم في وجه  الفتى الشقي وقد وصل به إصراره وتحديه إلى الجامعة، أطلت حنان على الفتى بدفئها وضوئها وعطفها ولطفها، بعد أن كاد يفقد الأمل في وجيب القلب وخفقاته، كما تطل الشمس على سماء الدنيا بعد غيم ورعد وعواصف، كان إدريس يتدبر حياته كما يتدبرها الطلبة الفقراء، سكن مع  أقرانه وأشباهه في أحد أحياء القصدير، وصار يبيع السجائر بالتقسيط في ساحة الكلية ليستعين بمدخولها على أداء وجيبة الكراء، ويقتنص الفرص ليتقوت كما يتقوتون مما فضل على الخضارين من بضاعة قليلة الجودة أو فاسدة، ثم يراقب الرفاق والرفيقات من بعيد، ويتفرج على نضالهم ونضالهن طوال السنة  في المدرجات أو تحت أشجار  “البروليتاريا”، والحقيقة أنه كان عازفا عن النضال وما يأتي من النضال، بعد الدرس الذي لقنه له نزلاء الخيرية، ومن بعض ما حكاه له صديقه الحسن، المهم أن رأيه في النضال والمناضلين لم يكن إيجابيا بسبب ما حصل له في تلك المراهقة القريبة بالخيرية، حين تخلى عنه أولئك الذين كانوا يدفعون به إلى مواجهة الإدارة، ولا شك أن تجارب الماضي يبقى أثرها فاعلا في النفس بعد أمد طويل.
حنان ستأخذ بيده إلى عالم مختلف، فيتخلى عن بيع السجائر ويتحول إلى إعطاء دروس الدعم في إحدى المؤسسات التي تشتغل بها، ثم ستجد له مسكنا لائقا، يسمح لهما باللقاء ويسمح لكل واحد منهما أن يبث الآخر لواعجه. فيحلمان، ويرسمان المستقبل المشرق، ويتخيلان المنزل والأسرة والسيارة والوظيفة والأطفال، ويتخيل هو بشكل خاص، رحمة وقد عادت من أداء مناسك الحج، ويتخيل نفسه وهو يرد الجميل لأخواته مضاعفا. ولكن الفقر والأحلام لا يلتقيان، فتخيلات الفقراء تتحول عند أول امتحان إلى أوهام، بل وإلى كوابيس. سينهي الشابان دراستهما فيفترقا على أمل مواصلة الطريق بعد النجاح في مباريات التعليم العالي أو المحاماة بالنسبة له، فيعود إلى مدشره في انتظار ما سيأتي، فلا يأتي شيء، سيعجز عن مواصلة تعليمه العالي، ويعجز عن تأمين مصاريف الالتحاق بسلك المحاماة، وتضيع منه أمه بعد أن أودى بها مرض غريب، ثم تضيع منه حنان،لأنه نسي في حيرته الكبرى ومأساته اللعينة أن يتفقدها أو يسأل عنها أو يرد على رسائلها.
ج) الآخرون:
1) أحمد:
صديق الدراسة وابن الدوار، سيجد عنده إدريس الملاذ والملجأ بعد أن طرد من الخيرية. في الغرفة التي يكتريها أحمد سيفترش إدريس علب الكارتون ويعيش على ما يتوفر لهذا الصديق من زاد وقوت، دون أن يؤدي معه نصيبه في الأكل و نصيبه في وجيبة الكراء.
2) أبا المفضل:
صاحب الدكان الذي كان إدريس يتزود منه بما تيسر من خبز وحليب ومعلبات أثناء فترة نزوله بغرفة أحمد، في انتظار أن يسدد له الدين بعد توصل والده بالراتب المزعوم.
* مأساة  الفتى الجبلي إدريس ولد أمي رحمة:
 لا شك أنه الآن يسمع صدى خطواته يتردد في أرجاء المدشر وهو يهيم على وجهه متفكرا في تلك المسافة الطويلة التي قطعها يسير فوق نتوءات الصخر والأشواك لكي يعود إلى المكان نفسه من حيث انطلق. ومتفكرا في الجدوى من أن يحاول فتى في شرطه الاجتماعي أن يقاوم العوائق ويتخطى الحواجز من أجل أن يصنع لنفسه مصيرا مختلفا. في حين أن مصيره مقرر سلفا، ولا يعدو أن يكون شبيها بمصير الحسن ومصير أبيه من قبله، إنها لعنة  مدشر الضياع، إنها لعنة الإقصاء والنبذ والتهميش التي تلاحق الفقراء والمستضعفين، وتكلل كل جهودهم وكل صمودهم بوصمة الفشل، لقد جرب، واقتنع ،أن كل محاولة يقبل عليها لن تكلل إلا بالفشل، المحاولة والفشل ثم المحاولة والفشل ثم المحاولة والفشل، هذه هي القاعدة التي تتحكم في المصائر والناس بهذا المدشر العجيب، وحتى الخال الذي أفلت منها، فهو لم يتجاوز مهمة رفع العارضة عند بوابة ثكنة للداخلين والخارجين.
لا شك أن الفتى سيسمع رنين قرع الأجراس في أذنه وبعده سيسمع صوت الحقيقة يصرخ فيه:
ــ ابق في مدشرك، ابق في مدشرك فلا مكان لك بالخيرية، لقد ابتلع كروش الحرام نصيبك ونصيب غيرك من القوت.
ــ ابق في مدشرك، فلا مكان لك في دار الخال، لقد ابتلع حق أمك في الإرث وحوله إلى إسمنت وحديد.
ــ ابق في مدشرك، فلا مكان لك في أوراش البناء ولا في حفر الآبار، فهم هناك يجدون يدك رطبة ورخوة كأيدي البنات.
ــ ابق في مدشرك أيها الفتى، ويكفيك أنك أحرزت أربع شهادات، وهذا سقف طموح أمثالك في هذا المدشر اللعين. فلا تحلم بأن تقعد وراء مقود سيارة ولا على  كرسي إدارة، لا تحلم بأن تضع ربطة عنق وأن تلبس البذلة السوداء، لا تحلم بطفل يستقبلك بالقبلات عند الباب، ولا بزوجة تودعك حين تغادر بقبلة على الخد.لا تحلم بدعوات الحاجة عقب كل صلاة.
ــ عد أيها الفتى إلى مدشرك لكي تضيع فيه، مثلما ضاع والدك بالسبسي، و ضاع الحسن ب”السرحة”، وضاعت والدتك ب”اللقوة”، ومثلما ضاع الفقيه وعليلو والممرض والمدير والجارات والعربي، حتى وهم لا يشعرون بالضياع، ولا يعترفون به، فليس نفاقهم ولا كذبهم ولا مباهاتهم ولا عجرفتهم إلا أقنعة تخفي وراءها الخوف من الشعور بالضياع.
ــ هل فهمت الآن أيها الفتى لماذا (ودون أن تعي فعلك) غداة دفن والدك، إذ أخذتك رحمة إلى قبره لتقرأ عنده بعض القرآن، كيف أنك لبست جلبابه، وكيف أن السبسي والبطيقة سقطا من قبك وأنت تقرفص عند القبر؟
تلك تركة الوالد أيها الفتى، وأنت لم تدفنه إلا لتلبس جلبابه وتقوم مكانه، ففي هذا المدشر، الحاضر هو الذي يلد الماضي، والابن هو الذي يلد الأب، والأحياء هم الميتون.
ستعيش أيها الفتى بكرامة لا تهان، رافضا تقاليد الجماعة وأعراف الجماعة، لأنك ستحل محل والدك، ففي هذا المدشر لا شيء يتغير ولا شيء يتحول خلافا للمنطق ولقوانين الطبيعية وسنن الحياة.
ـ ابق أيها الفتى في مدشرك، هنا ستعيش، وهنا سترقد رقدتك الأخيرة بين الأحياء/الأموات، بأمل ميت وحلم لا يتجدد، هنا ستقف كشاهدة على قبر الأحلام والآمال، لتكون رمزا للمهمشين والمقصيين، وليكون مدشرك رمزا لكل المداشر والقرى والدواوير… فأنت صوت الهامش ورسالته.
ــ أنت صوت الهامش ورسالته.
* الختام
وبخلاف ذلك التفاؤل الساذج الذي يغري بعض الكتاب باجتراح نهايات سعيدة لِسِيَرِ أبطالهم، فإن الكاتب مصطفى الجرتيني يصر على توقيع خاتمة مفجعة لسيرة فتاه إدريس الجبلي ولد رحمة والسيموحماذ. إذ ستتهاوى حوله كل القلاع التي كانت تحميه وتحضنه، لتتركه وجها لوجه مع قوى النبذ والإقصاء. يموت والده وتموت والدته وتضيع منه حنان ويقف الحسن يرقب المشهد من بعيد كما تقف أخواته بلا حيلة ولا حول أمام المصير الأسود الذي ينتظره.
أليس هذا الفتى هو الأجدر من بين أبطال الروايات بلقب ” البطل المأساوي”؟
ولكن من يا ترى يهمه مصير شاب من مدشر الضياع؟
بل ومن يا ترى سيهمه مصير المدشر وعشرات الآلاف من المداشر التي تخيب آمال شبابها وتمنى تجربة أحلامهم بالخسارة؟؟
فتجربة الحلم والخسارة هي تجربتهم وسؤال العدالة الاجتماعية هو سؤالهم، وإلى ذلكم الحين:
قد  تسمعون ذات يوم  إذا مررتم بجوار مدشر الضياع حنجرة الفتى تصدح مرددة بحرقة وراء قطعان الماعز والشياه:
” الله الله يا أمي ياحنا
دوار العجب راني فيه
يلا كليت ما يبان عليا
ويلا ضحكت نندم عليه”

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.