الرئيسية | سرديات | انتفاخ | عبد الرحمن سعد

انتفاخ | عبد الرحمن سعد

عبد الرحمن سعد (السودان ):

 

يا صاح كيف هي الأشياء؟ يجيب: الغافل من ظنَّ الأشياء هي الأشياء، أقول:يبدو تكدرك اليوم، فماذا بك؟ تقول هذه الدنيا العابسة. أضحكُ  وأقول لك: إذن انظر خلفك، تلتفت وأنت تمسك بطرف الكرسي الخشبي، تندهش ثم تقول: ماذا تقصد؟ لا يوجد شيء ملفت للانتباه.

     أقول هذا الفتى الذي يمسح الأحذية، أتعرف قصته ؟

تجيب: لا

أنادى على الفتى فديداً: يا احمد تعال، ينهض احمد متثاقلاً يجُرُ خطاه خلفه يصل إلينا. أقول: صديقي هذا….. وأشير إليك، يريد أن تَقُصَّ عليه قصتك. يطأطئ الفتى رأسه حتى يكاد  يلج صدره النحيل. يجلس الفتى واضعاً أدوات عمله التي يحتويها صندوق خشبي تتدلى منه عدة أغطية معدنية لزجاجات المياه الغازية تصدر صوتاً و رنيناً مُميَّزاً.

ينظر إليك ويبدأ سرده .

نسكنُ في طرف المدينة في مسكنٍ فقيرٍ جداً، ولى أربعة إخوة وأخت هي الوحيدة في أسرتنا و أنا أكبرهم. والدي يعمل في عربة يجرها حصان، ولا يكترث لحالنا البتة، ثم أمي. في ذات ليلةٍ وأمي تقرأ ما حفظته من قرآن من والدها، أخذت تنظرُ لأصبعِ قدمها اليسرى، لاحظت أن هناك انتفاخ. ضغطت عليه فانفجر مخرجاً سائلاً غير لزج، كأنه ماء. في اليوم التالي، أصبح مكان الانتفاخ احمراً، ولم يلتئم حتى بعد مرور عدة أيام. ذهبت لجارنا الذي يعمل ممرضاً، سألته أن يأتي وينظر أصبع أمي، جاءنا بعد يومين، عاود الانتفاخ تحت اللون الأحمر بالقدم .

قال الممرض: لابد من معرفة أن كانت والدتك مصابة بداء السكر أم لا.

لم افهم ماذا يقصد ولكن في اليوم التالي، وبعد أن استلفت مبلغا من جارتنا ذهبنا للمركز الصحي وكانت النتيجة ايجابية. رجعنا للبيت. أمي أصبحت تتألم جداً، اكتشفت ذلك بالصدفة، عندما صحوت بالليل فوجدتها تتأوه وتكثر من التسبيح. في اليوم التالي، طلبت من الممرض أن يعاودنا ففعل وقال: لابد أن يُنْظِّف الجرح جيداً حتى لا يُبْتَر الأصبع أو القدم، هالني ما قال كان معي عشرون جنيهاً، نقدتُ الممرض سبعة منها ونظَّف الجرح ذاك اليوم ويوماً بعده وعندما حضر للمرة الثالثة، سألني سؤاله المعتاد : ألديكم سبعة جنيهات ؟ فأجبتُه: معنا ستة جنيهات وسأُكمِل المتبقي غداً، غداً؟ صاح…  عندما تُكْمِلَها اتصل عليَّ وخرج.

لم ادر ما افعل. في الليل اشتَّد الألم بأمي، أخبرت أختي بأنني سأُنْظِّف الجرح بنفسي، خشية أن تبتر القدم. وافقتني، أخرجتُ قطعة من الصابون كان قد أهداها لي صديقي عندما أُصبتُ بطفحٍ جلدي، وقال لي أنها طبية. أمرتُ وحيدة أن تضع ماءاً ليغلى، وعند غليانه تضع عليه مسحوق ملح، بعد عشرة دقائق، كنت قد غسلتُ يديّ بالصابون الطبي، وضعت طست تحت قدم أمي وأحضرتُ رِباطاً أبيضاً.

قلت لوحيدة : صُبِي الماء علي القدم….

كانت أمي تتأوه كثيراً، عندما بدأت أضغط على الجرح المنتفخ. وضعت أمي وسادةً متسخةً علي وجهها. أنا أتابع ضغطي على الجرح لأخرج الصديد الكامن في الجرح.

 قال أحمد لصديقي / صابر: هل شممتَ مرةً رائحةَ جرحِ مريضِ السكر ؟

أجاب صابر: لا، كيف هي ؟

 انتحب أحمد ولم يجب.

أحضرت كوب ليمون بارد ، أزاحه احمد بلطف ثم واصل: كنت اضغط على الجرح، وأمي تتلوى وهى تعضُ الوسادةَ بما تبقى لها من أسنان، نزلتْ دمعةٌ متمردة من عيني على الجرح، لم اكترث لذلك… كان همي أن أنظف الجرح جيَّداً، حتى يخرج دماً احمراً. وقبلَ أن أنظف الجرح جيداً. حضر أبى. نظر إلينا. واصل سيره، لم يتوقف. قال: أنا مُتعبٌ جداً وأريدُ النوم، ثم أغلق مصباح الحجرة.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.