الرئيسية | فكر ونقد | النص الغائب في المسرح الأمازيغي القديم قبل الغزو الروماني | لبروزيين عبيد

النص الغائب في المسرح الأمازيغي القديم قبل الغزو الروماني | لبروزيين عبيد

لبروزيين عبيد

 

إن الحديث عن تاريخ المسرح الأمازيغي القديم، وخاصة قبل فترة حكم الرومان لشمال إفريقيا، هو في حقيقة الأمر، اضطلاع المسرحي بعمل المؤرخ بمعنى من المعاني، أي كتابة تاريخ الفن المسرحي الأمازيغي مقرونا بتاريخ النوميديين أو الأمازيغ، وبالتالي فهذه المقالة ستتناول المسرح من وجهة نظر تاريخية.

إن خوض المغامرة، يقتضي تحديد العناصر التي سننطلق منها لتحديد تجليات المسرح الأمازيغي، وهي نظام المجتمع النوميدي، أي العادات والتقاليد والدين والعلاقة بين الأفراد، وتفاعل الأمازيغ مع الحضارات الأخرى، والفرجة الشعبية، والكتابات التاريخية بالرغم من اضطرابها ونسبيتها، ذلك أن أي مآثر تكتشف في شمال إفريقيا تنسب مباشرة، بقصد أو غير قصد، للرومان “إذ بسبب صعوبة تأريخ الآثار البربرية القديمة، ولكون جل مؤرخي المغرب القديم درسوا في البداية تاريخ روما، يعزى كل كشف أثري  في المنطقة إلى الرومان”[1] وهكذا يدعو عبد الله العروي إلى إعادة كتابة التاريخ.

 وليس المهم عندنا إعادة كتابته في هذه المقالة، بل جعله نسبيا، ولا يمكن الاعتماد عليه إلا إذا توافق مع العناصر الأخري، فـ”التاريخ العريق الذي قطعه الفن والأدب الأمازيغيين، كان يحمل من الأصداء والأهواء والحقائق، وأشتات الخلق والإبداع الفني التي وسمت الحضارة الأمازيغية عبر العصور…”[2] ما كان يحمله، ومما يزيد من هذا الغموض، أن رواد المسرح المغربي الحديث يكتفون بالإشارة إلى أن الأمازيغ تأثروا بالثقافة اليونانية والرومانية، دون شرح أسباب الأخذ عنهم، ومظاهر هذا التأثر، لأن الاحتكاك لا يعني بالضرورة الفهم والتأثر، فعبد الله العروي يقول: “صحيح أن ماسينيسن اتصل باليونان وأن ولده ماستنبعل توج في ألعاب أثينا، إلا أنه كان يستحيل أن يستوعب الناميديون الحضارة الإغريقية بدون وساطة لأن استعدادهم لم يكن قد تم بعد”[3]. وللخروج من هذا التيه سنحاول أن نقدم رؤيتنا لتشكيل الوعي الفني للإنسان الأمازيغي في شمال إفريقيا.

إذا أردنا أن نحدد تاريخ الفن الأمازيغي في شمال إفريقيا، لا بد من الحديث عن فترتين حددهما علماء التاريخ، الأولى الباليوتيك، والثانية النيوليتيك التي ارتبطت بظهور الإنسان المزارع ومربي الحيوانات والفنان، ودون الخوض في تفاصيل الأصل الشرقي أو الغربي للإنسان الأمازيغي، يمكن أن نعتمد طرح ألبير عياش المستند الى الأبحاث الأركيولوجية، حيث يقول: “تميزت إفريقيا الشمالية، كغيرها من المناظق بمناخ حار ورطب، وبوجود غابات كثيفة… وكان يعيش في هذه الطبيعة المتوحشة أيضا، بشر ذوو صفات حيوانية. إذ كانوا يتغذون من النباتات ومن جذورها ومن الصيد…وظهر أناس جدد حوالي 12000 سنة قبل الميلاد، يملكون مهارات جسمانية وقدرات فكرية، تعلن عن ظهور الإنسان الحديث أي الإنسان العاقل”[4] ومن هنا نتساءل، هل الفرجة المسرحية مرتبة بالإنسان العاقل في شمال إفريقيا؟ وإذا كانت كذلك، فهل يمكن القول إن الفرجة في شمال إفريقيا تمتد إل حوالي 12000 قبل الميلاد؟

لا يمكن الجزم بوجود أشكال فرجوية في هذه الحقب المتقدمة من تاريخ شمال إفريقيا، كما لا يمكن نفي وجودها، لكن وحسب المؤرخين، وجدت تربة خصبة من خلال أصولها التي يمكن أن تنتج عنها، لأن لهذا الإنسان أيضا اهتمامات فنية ودينية.

إن الأمر الذي جعلنا نعتمد على ألبير عياش دون غيره، هو تطابق آرائه مع الأبحاث الأركيولوجية الحديثة، إذ نجد مثلا عثمان الكعاك يقول: “الشعب البربري، أو شعب الأمازيغ –أي الأشراف والأحرار- نزح إلى شمال إفريقيا بعضه من أوربا وبعضه من اليمن على طريق الحبشة ومصر وليبيا، وانتشرت في ربوع المغرب وجهات من الصحراء وأطراف من مصر، واستقر بكثير من الجزائر، مثل جزر الكناري في المحيط الأطلسي وجزر سردينيا وصقلية وقوصرة ومالطة في البحر المتوسط، وكان ذلك في عصور متقادمة لا تقل عن ثلاثين قرنا قبل ميلاد المسيح”[5]. واختلاف الروايات عن أصل الأمازيغ سيقود بالضرورة إلى السقوط في التناقض في حديثنا عن المسرح الأمازيغي القديم قبل الفترة الرومانية.

إن تاريخ الفرجة الأمازيغية، يحتكم إلى تاريخ الأمازيغ، لكن عن أي تاريخ؟ التاريخ الذي كتبته المدارس الكولنيالية، أم بعض الوثائق التاريخية في العصر الفرعوني والفينيقي والإغريقي التي تتحدث عن حياتهم، خصوصا في برقة، وهي إما نقش أو كتابة على ورق البردي، والتي تكشف أن الفراعنة أخذوا عن الأمازيغ أسباب حضارتهم، وتفسير ذلك حسب عثمان الكعاك أن موطنهم ضعيف، عرف كوارث طبيعية، عكس موطن الفراعنة الذي أخصبه النيل، وبالتالي، فإننا يجب أن نسلط الضوء على هذه الفترة التاريخية بعيدا عن الأحكام الجاهزة.

وحتى لا تكون هذه المقالة حول مساءلة التاريخ الأمازيغي، سنعمد إلى تقسيم حياة الفرجة الأمازيغية حسب المحيط الذي نشأت فيه، وعلى ضوء المعطيات التاريخية السابقة إلى:

  • المرحلة البدئية: مرحلة انبثقت منها الفرجات من الطقس الديني والاحتفالات، هذا إذا اعتبرنا أن الفرجة خاصة إنسانية، ارتبطت بوجود الإنسان في شمال إفريقيا، وستكون هذه المرحلة من 12000 سنة قبل الميلاد إلى 815 قبل الميلاد.

  • مرحلة الاحتكاك: احتكاك الأمازيغ بالحضارة الفينيقية واليونانية والقرطاجية والرمانية، وإن كانت نسب الاحتكاك متفاوتة ومحط اختلاف المؤرخين، لكن هذه المرحلة، هي مرحلة التفاعل مع الحضارات الأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر، وتبدأ منذ سنة 815 قبل الميلاد إلى استيلاء الرمان على الشريط الساحلى لشمال إفريقيا سنة 146 قبل الميلاد.

لا يمكن أن نتحدث في المرحلة البدئية عن الفرجة الأمازيغية إلا باعتبارها نصا غائبا أو مفترضا، ذلك لغياب الوثيقة التاريخية، وضبابية المعلومات حول هذه الفترة، لذلك سنعمد إلى الانطلاق من نظام الحكم الأمازيغي، والانتهاء ببعض الأشكال الفرجية التي نفترض أن تكون قد ظهرت في هذه الفترة.

أسس الأمازيغ قبل البونيقيين أو الفينيقيين الحكم المولكي، قادهم ملوك صغار يسمى الواحد منهم “أجليد”، أخذت هذه الملكية كتلة إلى أن عمت جهات بعينها[6]. إن بنية المجتمع الأمازيغي في هذه الفترة يعكس تطورا كبيرا، فلا يمكن لهذا الإنسان أن لا تكون له اهتمامات فنية.

ولما كانت للأمازيغي “عادات خاصة به عائلية قروية وموسمية ودينية، له لغته البربرية المتميزة بذاتها المعروفة من القديم والمتسلسلة إلى الآن والتي لها آدابها الشعبية والعلمية شفاهية وكتابية وله عقائده القديمة الوثنية”[7] فإن معالم الفرجة المسرحية تظهر في هذه المرحلة، أي المرحلة البدئية، ومرد ذلك إلى وجود أشكال فرجوية أمازيغية تتضمن جانبا من جوانب المسرح، ونتحدث هنا عن فرجتي أحيدوس وإمديازن.

تعتبر الفرجة الشعبية أيقونة مجموعة من الفنون، بالأخص الرقص والغناء الشعبي، ذلك لاشتراكهما في الأصل الطقسي المنبثقة عنه. لقد عرف المجتمع الأمازيغي القديم في الفترة الملوكية بالوثنية كما تذهب العديد من الدراسات حول الأصل الطقسي للفرجة، لذلك نعتبر أن فرجة أحيدوس قد تطورت من خلال طقس عبادة النار الذي مازال موجودا فيها، توقد النار لتكون مركز الشكل الدائري لأحيدوس، كما أنها تتماها مع طقس عبادة النار الذي مازال إلى يومنا هذا في دول جنوب الصحراء، وهو ما يجعل رقصة أحيدوس تمزج بين البعد المجوسي الوثني القديم المقدس والمسيحي الإسلامي فيما بعد…

أما مرحلة الاحتكاك فإنها تعد من أهم المراحل التي شكلت وعي الإنسان الأمازيغي، ذلك أنهم يدينون بثقافة الغالب، ولما كان الأمر كذلك، فلا يمكن أن نفصل من منطلق عصرنا الراهن بين الدين والفن الفرجوي، فالمصريون يربطون المسرح بالطقوس التي كان يقوم بها الكهنة لتقديس إزيس وأزريس، والغرب يرجع بداية المسرح إلى الطقوس الديونيزوسية. ومنه يمكن الانتقال من الطقسي للحديث عن الفرجوي في مرحلة ما قبل الرومان، وذلك من خلال معطيات تاريخية تنتمي إلى نفس الفترة التاريخية، وأولاها ما كتبه الفراعنة، “إذ ابتدأ المصريون البحث عن تاريخ البربر منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وابتدأ البونيقيون البحث عنهم ابتداء من القرن السابع وابتدأ ذلك اليونان من القرن السادس”[8].

وسواء تعلق الأمر بالفراعنة أو الفينيقيين أو اليونان، فإن كتاباتهم اهتمت بجوانب سوسيوثقافية أغفلت المسرح والأشكال الفرجوية (حسب اطلاعنا على ما كتب)، ومرد ذلك إلى أن الفن بصفة عامة كان في بداية تأسيسه أو لم يكن ذا شأن كما هو عليه في العصور اللاحقة.

وعموما، ومن منطلق المصريين الذين يقولون بوجود المسرح قبل اليونان، فإن الأمازيغ أيضا قدسوا إزيس وأزريس، وبالتالي فنفس الطقوس التي كانت تقام على شرف الإلهين في مصر أقيمت أيضا في أرض تامازغا، بل يذهب عثمان الكعاك أبعد من ذلك حين يقول: “التمثيل قديم عند البربر، جاؤوا به من الهند وأسس له يوبا الثاني معهدا لتدريسه في شرشال وألف فيه التصانيف، والتمثيل البربري إما ديني على الطريقة الهندية واليونانية القديمة، فهو أناشيد ورقص وحركات وتصاوير تمثيلية لاسترضاء  الالهة أو إبعاد غضبهم، أو خزعبلات مثيرة للسخرية من بعض الشخصيات البارزة وإظهار عيوب الناس المنتقدة، وشارك البربر في التمثيل اليوناي ثم الروماي… والمسارح منبثة في شمال إفريقيا انبثاثا يدل عل ولوع البربر بالفن المسرحي”[9]

يعتقد جل الدارسين أن الأمازيغ تأثروا كثيرا باليونانيين، وليس أدل على ذلك ما قام به سيفاكس الذي جلب معالم الحضارة الإغريقية إلى الجزائر. لقد أولى الأمازيغ عناية بالغة بالفن عموما، حيث “كان يوبا الثاني يصرف مداخيل مهمة، فقد أنفق أموالا طائلة من أجل جلب الفنانين والأدباء الإغريق إلى عاصمته قيصرية في الجزائر ووليلي في المغرب”[10].

وبناء على ما سبق، يمكن القول إن المسرح الأمازيغي، يرتبط بما أسميناه المرحلة البدئية ومرحلة الاحتكاك، وإن كان حديثنا عنه بشكل غير مقنع لأسباب كثيرة، منها ضعف بعض الروايات التاريخية، واختفاء بعض الكتب المسرحية التي ألفت من طرف الملوك الأمازيغ، وعدم ظهور أبحاث علمية جادة وموضوعية تدرس الفن الأمازيغي بصفة عامة والمسرحي خاصة، وضعف ترجمة الكتب التي تهتم بالأمازيغ في شمال إفريقيا. لذلك لا بد من ترجمة الكتب التي تعنى بالأمازيغ في مكتبة الفاتيكان والمكتبات الفرنسية، ومساءلة التاريخ والتشكيك فيه على ضوء طروحات عبد الله العروي، والاهتمام بالفرجة الشعبية الأمازيغية لأنها تتضمن معطيات تاريخية مهمة، يمكن استغلالها للتأريخ للفن الأمازيغي.

[1] – عبد الله العروي، مجمل تاريخ المغرب، المركز الثقافي العربي، ظ 5، 1996، ص ص: 58-59.

[2]– سعيد الميلودي، مقدمة نظرية لتاريخ الأدب الأمازيغي، ضمن كتاب تاريخ الأدب الأمازيغي، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ص: 74.

[3]– عبد الله العروي، مجمل تاريخ المغرب/ م س، ص: 84-85

[4]– ألبير عياش، تاريخ شمال إفريقيا، ترجمة عبد العزيز بل الفايدة، منشورات الأصل، ظ 1، 2007، ص 21

[5]– عثمان الكعاك، البربر، الملتق، ظ 2، أبريل 2003، ص 8

[6] – عثمان الكعاك، البربر، م س، ص 60

[7] – نفسه ص 8

[8] – عثمان الكعاك، البربر، ص 14

[9] – نفسه، ص 117

[10] – ألبير عياش، تاريخ شمال إفريقيا، ص 51

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.