الرئيسية | سرديات | الكيس والأنكيس: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

الكيس والأنكيس: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

 

حنان الدرقاوي

كنت أزورها بالعمامرة قرب القصر الكبير شمال المغرب. نوالتها “عشة” كانت بالقرب من مزرعة البرتقال التي يحرسها أحد أقربائي. كنت أمر بالقرية وأنا عائدة من جولاتي في الشمال. أتوقف عند قريبي، أمده بزجاجة ويسكي مهربة ويمدني بكاجو الليمون ويحادثني عن عوالم المزارع وهي وحدها مغرب قائم بذاته: مغرب الإقطاع والريع.

يحدثني عن مزارع الجنرالات والبرلمانيين والوزراء الذين اغتنوا على ظهر الذين يمثلونهم. كان الإغتناء من المسؤولية الإدارية أو السياسية أمرا طبيعيا. لقد أطلقت الملكية أيدي المسؤولين على أموال الشعب لتضمن استقرارها بعد الإنقلابين العسكرين. “اغتنوا واتركوني أسود وأحكم” كانت هاته حكمة الحسن الثاني الذي  مأسسة الرشوة والإغتناء غير المشروع. الشعب أيضا يريد الإغتناء لهذا فكل فرد يستغل منصبه من أجل الربح السريع. كنت أحدث قريبي عن هاته الأشياء ونختلف ويرد علي أننا بدون القبة الشريفة نضيع. رغم الفقر يبقى المغاربة ملكيين حتى النخاع، الملكية نوع من الأسطورة التي يحتمون بها من الإقتتال. لم أكن أطيل كثيرا في النقاش لمعرفتي أن لا سبيل لإقناع الشعب بأن يهب ويثور على الأوضاع المقلوبة. كنت أكتفي بملاحظات على المزرعة  وعلى حداثة تجهيزاتها وأتمنى كثرة الخير لأصحابه أما نحن فلنا الصبر، كنا ونحن خارجون من المزرعة نتوقف عند فنيدة فإبراهيم قريبي يعزها كثيرا وربما الأمر أكثر من المعزة الأخوية ففنيدة التطوانية امرأة في الأربعين حافظت على كل زينتها بالرغم من العدم الذي تعيش فيه. كانت آثار جمال بائد ظاهرة عليها رغم محنة الترمل وتربية أبنائها وحيدة في قرية لا ترحم. كنت ألاحظ أن قريبي يسترق النظر إليها وفي بعض الأحيان أباغثه وهو مركز على جيدها الأبيض الناصع. كان لها إبنان فشلا في الدراسة وكان ذلك جل ألمها. كم تمنت أن يفلح الطفلان في الدراسة لكنهما غادراها في المستوى الإعدادي دون أي ديبلوم وحتى التعليم المهني لم يفلحا فيه. لم تكن تكف عن الشكوى من هذا الموضوع وكان ذلك بؤرة حزنها وهمها في تلك الحياة الكئيبة التي تعيشها في نوالة على أطراف قرية مهمش مركزها ومحيطها.  كان كل همها هو أن تجد عملا لإبنيها  لكنهما يهابان الأشغال اليدوية وكانت تقول

  • وليداتي أيديهم رطيطبين ماشي حمل التبهديل ” ولداي أيديهما رطبة وليسا حمل البهدلة.

كانت كلماتها غير واقعية بالمرة فأين سيجد إبناها عملا في المكاتب وهما لم يتعلما. كنت أكاد أقول لها أنه عليها أن ترضخ للأمر الواقع وتبعث بهما إلى ورشة للبناء أو ماشابه.

لم أقل لها ذلك وكنت أكتفي بالقول ” الله يسهل”. لأنني من الرباط ولي عمل كانت توصيني كل مرة أن أبحث عن عمل في الرباط لإبنيها. كنت أقول هنا أيضا “الله يسهل ويدير اللي فيها الخير” أين سأجد عملا لشابين ليس لهما إلا الإعدادية وإخوتي مجازون عاطلون.

كانت فنيدة تهيء لنا الشاي وتضع قطع حلوى المهيبيلة على المائدة. نشرب ونأكل الحلوى  وتحدثنا عن آخر زياراتها إلى الفقهاء والعرافين من أجل حل النحس الموضوع لإبنيها. الفقيه قال أنه الأنكيس وهو أشد أنواع النحس ولفكه يلزم زيارة ضريح آل خليفة بثلاثاء زعير وذبح ديك بلدي هناك. لم تكن تملك ثمن الزيارة ولإيماني أن الأضرحة هي حج المسكين  أعطيتها مائتي درهم علها تزور أولاد خليفة وتطمئن قليلا. زرتها آخر مرة عام 2000 وكنت عائدة من جهجوكة القرية الأسطورية. جلست إلى شايها وحدثتني عن انفكاك عقدة أحد أبنائها. ذهبت إلى أولاد خليفة وجبروا خاطرها وأوصلوا شكواها إلى من في السماء. لقد وجد إبنها عملا، ليس عملا يدويا يشقى فيه بل عملا فريدا من نوعه قالت وهي مبتهجة:

  • إنه يحرس الكيس

  • أي كيس؟

  • كيس رجال الدرك، يختفي تحت شجرة قرب الدركيين الواقفين أمام القرية وكلما قبضوا رشوة خبأوها عنده ويعطونه ثلاثين درهما في اليوم إنه موظف.

هكذا فك الأنكيس بالكيس، هكذا وجد إبن فنيدة عملا لايتبهدل فيه بل ينظر الى أناس آخرين يتبهدلون ويدفعون لأناس استلهموا سير الجنرالات الذين جعلوا من البلد غنيمة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.