الرئيسية | سرديات | العطار | مصطفى الجرتيني

العطار | مصطفى الجرتيني

مصطفى الجرتيني

كالعطار، كان يطوف يوميا بين جنبات المحيط متنقلا بين “عنق الجمل” و “وادي يكم” و “الصابلدور”. يقتفي أثر السكارى في كل مكان. من رآه، يستغرب أين يفرغ ذلك الكم الهائل من الخمر الأحمر و قناني الجعة. بطنه ملتصق تماما مع ظهره، و مؤخرته ممسوحة كلوح “الطالب”.  يأخذ قنينة مما تبقى له من ذخيرة الأمس، و يغدو متربصا بجحافل السكارى الذين يحجون كل مساء إلى جنبات البحر من أجل السكر و العربدة. يبدأون أحبة كالبنيان المرصوص، يتبادلون العناق فيما بينهم و كأنهم عادوا لتوهم من مكة المكرمة، يثنون على خصال بعضهم البعض، و يقنعون أنفسهم أن ما يتقاسمونه من “حرام” ما هو إلا توطيد للوشائج و ترسيخ للعلاقات.

لكن، ما أن يسري ذلك الخمر اللعين داخل شراينهم و ينفذ إلى إلى رؤوسهم، حتى يبدأون في كيل الإتهامات و الشتائم بكل اللغات (سبع لسون). السكر يطوع اللسان ليصير أكثر فصاحة.. يصير معه الحكي بالفرنسية أيسر من شرب كأس من الجعة.. ينتهي الشتم بالفرنسية لينخرطوا في صراعات بالقناني الخضراء فتكون السهرة الختامية في السويسي الكبير أو سويسي الرأس.
يفر “العطار” بجلده بعيدا عن ساحة المعركة بعدما يأتي على مؤونة السكارى ليستبدل المكان بآخر أكثر أمنا.

في تلك الساعة، تكون الخمارات قد شرعت في استقبال روادها “الممسوخين”. يصل العطار و قد نال منه الخمر ليجلس إلى طاولة “الأحباب”. عندما يسكر، يصير كل الناس أحبابه، ما عدا زوجته و أولاده الذين يأتون على مرتبه كاملا و لا يتركون  له ما يروي به جوفه الضامئ. يسلم على “عائلته” و يجلس إلى جنبهم من دون دعوة. يأخذ قنينة أحدهم، و يسمي الله قائلا:

” باسم الله على ما حرم الله”، ثم يدلقها دفعة واحدة في جوفه. تتوالى حركات يده الخفيفة حتى يغالبه النوم. يغفو للحظات حتى يتعالى صوت شخيره داخل الحانة ممزوجا ب”العلوة” التي يكون قد طلبها من الجوق قبل أن يسلم الروح إلى بارئها. يستيقظ مذعورا، يلتفت إلى الجمع و ما حوله، يفرغ قنينة في حلقه ثم يسند رأسه إلى “الكونطوار”. لا يهم ما يشربه إن كان شرابا أو بولا.. فكل ما وضع أمامه، يكون مصيره في جوفه.

ذات شتاء، و في ليلة باردة، و بعدما ملأ بطنه بالجعة، راودته رغبة في قضاء الحاجة. قصد المرحاض بعدما فتح سحابة سرواله في الطريق. مع عودته، عمت الرائحة أرجاء المكان وسط استغراب كبير لرواده. ظلوا يتفحصون أحذيتهم و يشمونها دون جدوى.. تحسس مؤخرته فإذا بكومة عالقة تجر سرواله نحو الأسفل..
لقد نسي الملعون أن ينزع تبانه و اكتفى فقط بنزع السروال و الشورط…

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.