الرئيسية | سرديات | الضريح | انتصار السري

الضريح | انتصار السري

انتصار السري (اليمن):

 

أمر بجوارها كلّما عدت من عملي ظهراً, بابها اليوم على غير عادته مشرع ظننت أن هناك أشخاصاً يُودّعون عزيزاً لهم الثرى, شيءٌ ما دفعني لولوج المكان, تقدمت وخطوت بقدمي اليمني, لا أحد هناك دهشت واستثير فضولي، تجولت في جنباتها الصامتة, في زاوية جهة الشمال تقبع شجرة ميتة , وكومة أحجار.. لا شيء يدل على الحياة فيها إلا قطان متشردان يتزاوجان دون أدنى اكتراث بمشاعر الموتى, غراب ينعق يرثي سوءة أخيه وفأر اختبأ بسرعة في قبر منبوش اختاره جحرا له.

انجذبت دون وعي إلى ضريح جديد لم تجف ترتبه بعد, مشيت في وجل نحوه، تعثرت بين الشواهد ونباتات “البطم” الشائكة القبيحة فلا ورود ولا خضرة ولا أشجار وارفة بمقابرنا, اقرأ آية الكرسي والمعوذتان وبعض أدعية الترحم, رائحة رفات الموتى تزكم أنفي، وهسيس تحمله إلي ريح باردة، أصيخ السمع .. بكاء خافت يتصاعد.. أصوات مترددة تشتكي تطالب بالإنصاف, امرأة لم ينشف دم نفاسها تسأل في حزن عن جنس وليدها, ضاقت المقبرة بالسياسي.. وأنات شهداء بنات الحور.. ودعوات المظلوم على الظالم, تعالى الصياح من كل صوب وحدب, وتداخلت النبرات في سمفونية مفزعة, أحاول أن أسد أذني, أفشل في الهروب من كل هذا الصخب, فألوذ بجسدي وأتهجى الطريق نحو ذلك الرمس الغريب.

تسمّرت عنده وجحظت عيناي, بداخله تقبع امرأة تشُق كفنها وقد تفسخ جسدها الغض, جحفل من الدود يحاصرها, يلعب لعبة التخفي بين ثناياها يفترس حسنها ويفتك بجمالها, دودة تنظر إليّ باستفزاز وتنهش وجهها الفاتن, تدخل من أنفها وتخرج من مقلتها تفقؤها وتسبح في سائلها اللزج.

أفرك عينيّ فقد يكون ما أشاهده مجرد كابوس سأستفيق منه ويختفي، أنظر في خيفة من بين منفرجات أصابعي أدقق في ملامح الصبية… أجدني أشبهها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.