الرئيسية | شعر | التجربة الشعرية ماهية متجددة تتجاوز النمطية إلى التفرد باستمرار | محمد رفيق

التجربة الشعرية ماهية متجددة تتجاوز النمطية إلى التفرد باستمرار | محمد رفيق

محمد رفيق (شاعر وكاتب مغربي):

 

 

في ظل زمن تسيطر فيه الصورة والتقنيات التكنولوجية الحديثة، زمن السرعة والمعرفة والمعلومة، حيث يكفي أن تلمس زرّا للسفر بعيدا، ولتفتح أهواج الظلام وكل الألوان الكابية لحط الرحال بين أحضان مملكة النور. ومع رياح العولمة الهوجاء، أصبح سؤال الشعر ملحاحا خاصة أن هناك من ينظر للحظة باعتبارها زمن الرواية بامتياز، تبقى مجرد وجهة نظر لها ما يبررها في الطرح ارتباطا بدور النشر وأدوات التسويق وعوامل أخرى تنبثق من الوضع العام للأمة العربية. والسؤال جول الشعر هو آلية منهجية فقط، لا أحد يستطيع أن يمايز بين الجنسين، إذا صح هذا التعبير، خاصة أن نظرية الأجناس تهاوت، وأصبح النص يسافر بعيدا عن الاستقلالية والخصوصية، وانفتح الشعر على جميع الأجناس.

من هذا المنطلق يمكن أن نفهم إن إشكالية المفهوم في الشعر، أصبحت عصية على التحديد، يكفي أن تستعيد بعض المراحل في التجارب الشعرية العربية السابقة، مند أن كان الوزن والقافية من الخاصيات المحددة للشعر كما أشار إلى ذلك قدامة بن جعفر، فضلا عما كانت تشي به القصيدة العربية مند ما اصطلح على تسميته بالشعر الجاهلي مرورا بمجموعة من العصور الشعرية، التي ظل فيها قوام البيت بنظام الشطرين هو عمود الشعر متسلحا في ذلك بالأغراض القديمة، وفي مقابله يأتي النثر، وما كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري سوى غيض من فيض في هذا الباب. ولكن لم تكن هذه الشكلية النمطية التي سافرت إلى القصيدة الكلاسيكية مع شعراء البعث والإحياء، لتحد من إبداعية النص وجماليته، سواء مع شعراء من القدماء مع أبي تمام والمتنبي أو مع المعري، في دخول عوالم التحديث بشكل من الأشكال في القضايا في التركيب، وإلا لما وازن الآمدي بين أبي تمام والبحثري في كتابه الموازنة بين الطائيين.

كيف يمكن أن نسلط سيف التحديد القار على الماهية الشعرية للقصيدة أو الشعر بشكل عام؟

الشعر يكتسي شساعة في التعريف والتحديد، فقد كان جوهر العقل في لحظة ما، وهو ما جعل شعراء البعث والإحياء يعتبرون الشعر مجرد محاكاة وتقليد للقصيدة العمودية، بل أحيانا عبارة عن معارضة لفحول الشعراء، وانتساب إلى عمود الشعر العربي بكل مكوناته الجمالية والفنية. وقبل ذلك لما تم تكسير هذا النمط الشكلي في القصيدة، ودخول غمار شعر التفعيلة والسطر الشعر عوض الصدر والعجز أو البيت كقوام كامل، وتجاوز نمطية القافية الموصولة أو المقيدة، وبالتالي تطوير الشعرية العربية لتتجاوز النمط الرومانسي أيضا، بميسم الإيحاء والإنزياح، وتجاوز فكرة العاطفة ومعيار الصدق والتعبير عن الوجدان. وبعد تجربة الشعر الحر أو التفعيلة أصبحنا بصدد قصيدة النثر بوهجها وفجائيتها وسرديتها ولغتها وتسميتها أيضا، التي كسرت ميسم التمييز بين الشعر والنثر باصطلاح جديد.

لقد كان الشعر مع ابن سلام الجمحي صنعة ترتكز على الدربة والمراس، لأنها الكتابة، والصنعة امتهان لا تكفي فيه التقنية في البناء، وإلا لما قال بعض القدماء “أعذب الشعر أكذبه”، ليس بالمفهوم الأخلاقي، ولكنه الخيال كملكة ذهنية ونشاط فكري، يساعد على إعادة تشكيل المدركات بشكل مخصوص ومتفرد، ليتجاوز الكلام العادي إلى كلام فني وغير عادي تنتصر فيه اللغة المتعالية التي تنزاح على المألوف في اللغة المعيار، لغة الإيحاء، وإلا لما جعل الجاحظ الشعر ضربا من النسج وجنسا من التصوير، فيصبح بذلك الخيال الذي يمتح من الموهبة ومن وحي الشاعر في تشكيل العوالم وإعادة صياغة التفاصيل بلغة راقية نتواضع على تسميتها بالشعر. لذلك تبقى الشكلية مجرد آلية للعبور إلى الجوهر، وهو الماهية الحقيقية للتجربة الشعرية، وإلا لماذا لم تصمد عبر مراحل القصيدة العربية في محطات فنية، إلى أن أصبحنا نتحدث عن شعر الشذرة والهايكو وغيره من التجارب في القصيدة النثرية.

الشعر سؤال كوني لقلق الذات في احتفائها بالحياة في صورها المختلفة، كان عنوان البداية الأبدية الأولى في مخاطبة الكون، فالحياة بطبيعتها تحتفي بالشعر، والشعر يحور من رمادها، وهو ماء الوجود كما كان دائما، ومتى ارتقت اللغة في ثنايا الخيال كان الشعر حاضرا خارج كل أسوار الهيكلة أو النمط الشكلي، فالشعر نزق في أصله غير تابت فكيف يمكن نحنيطه في قدّ معين حتى وإن كان ممشوقا.

تبقى التجربة الشعرية على اختلاف مصادرها وتلاوينها، هي العنصر المحدد لماهية الجهر، أما الشكل فمجرد عبورية آنية إلى قصيدة أخرى، ولكل قصيدة ماهيتها في تحديد الشعر، لأنه كشف ورؤيا وتجربة جديدة على الدوام كما عبر عن ذلك أدونيس.

لذلك ستظل القصيدة في سفر مع المعنى والقارئ في مسالك الغموض والارتحال بين الذات والفضاءات، وفق تجربة كل شاعر وأدوات اشتغاله على النص، لكتابة الحياة بشكل جديد، باعتماد على رؤية الشاعر، لأنه صاحب رسالة يحملها نصه أو شعره.

مراجع :

عبد القادر القط : الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر، دار النهضة، بيروت 1980.

بنكراد سعيد : مسالك المعنى دراسات في الأنساق الثقافية، سلسلة شرفات ، العدد 48، منشورات الزمن، فبراير 2015 ن سلا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.