الرئيسية | سرديات | البحث عن كاتبي المجهول | سناء تراري

البحث عن كاتبي المجهول | سناء تراري

سناء تراري

 

أبحث عن كاتبي المجهول، هو ليس مجهولا تماما، أملك عنه بعض المعطيات، فهو كاتب بمعنى أنه يكتب، ماذا كتب؟ تلك هي الإشكالية، أورثني حيا كان أو ميتا وصية فيها بعض أسرار الكاتب، وصيته هذه رافقتني منذ سنوات طويلة، ما يفوق عشرين سنة، إنها عِشْرَة عُمْر أليس كذلك؟، نعم، هي كذلك. لكن من يكون! لا أدري. إسمه وردي حكيم عثرت على نص له بقصاصة جريدة لم أهتم لها حينذاك قرأت النص/المعجزة فسقطت في حبائله، ونسيت كل شيء ما عدَاه واسمَ كاتِبه، ونظرا للحالة الرثة التي كانت عليها القصاصة، نقلت النص على على صفحة ورق مقوى وزينتها عند الحواشي وعلقتها مباشرة على الحائط قرب الوسادة حيث أنام، تماما بجانب صورتي الأثيرة لأم ترضع طفلها، ولم يفارقني مذ ذاك.

كانت قراءته من حين لآخر طقس يشبه الصلاة، وتأمل أفكاره كالاعتكاف في محراب. أبدأ بالعنوان” علم يهتك حجاب السر” أغوص فيه باحثة عن هذا العلم… لتوقظني أسئلة الكاتب الرنانة : ، من تراه يمسك بالتيه مسافرا على بوارق الريح؟ من عساه يبعث عظام الذكرى وهي رميم ؟ أي مرآة تستطيع أن تجلو قبح هده الوجوه ؟ فأجيبه نعم هو الكاتب، فيرد علي : ” واحسرتي على الكاتب، كيف له أن يختزن كل هدا الحزن؟ كيف لجسده العضوي النحيل أن يكتنز سر العواصف ؟ روحه الملسوعة بحرقة السؤال تحفر أخاديد القلق السرمدي في الأجفان، وجهه خرائط لمدن بلا لقب ودونما عنوان صدره أرجوحة ومنبت للأحزان وما باع القلم“.

لم يبع القلم، هو ذاك الكاتب الذي أحلم به وأحاول أن أقبض على بعض منه وأصيره، وما صِرْتُه، بل وجدت بعضه عند هذا أو ذاك، لمست ألمه في أمل دنقل، ووفاءه للقضية عند أحمد المجاطي، شاعريته في جبران خليل جبران، أسئلته الحارقة لدى فاطمة المرنيسي، كل مرة أعثر على بعض منه في كتاب أو شعراء قرأت لهم أو قرأت عنهم، وكثر الشعراء وكثر الكتاب وكثر المفكرون والفلاسفة، وما وجدته !..

فكيف أجده بهذه البساطة وهو من عرفه كاتبي بقوله : “هو الذي نفخ في بطن اللغة من روحه المتمردة غلالة الكلمات السحرية، ثم نادى في صمت البرية، أيتها القصيدة الحجرية، لا عاصم لك اليوم من سياط روحي الثورية، إئتني طوعا في مزامير داود أو كرها في صلاة السجود، في الريح، في السحاب، في الجبال القصية، في صمت الموتى، في أنين اللحود…فأنا مالك ناصية البيان وسر الوجود، أنا قيد السجان، وإكليل الحرية…

صادفت في حياتي بعد نصي هذا نصوصا أجمل وأفضل، نثرا وشعرا، في مجالات شتّى لكن نصي الأثير لا يزال يعيش داخلي وأنا وفية له، وفية للبحث أكثر إلا عن صاحبه، فضلته أن يبقى مجهولا رغم أن عملية بحث بسيطة في محركات البحث أو مواقع التواصل كفيلة بأن تأتيني به طوعا، لكن الخوف على صورته المثالية في مخيلتي ردعني، أفضله حلما سرِّيا :سبحانك من حبر السر سويتني شهقة غبار، حصانا للحلم سريرا للنار قداس للحرية، إنجيلا للثوار. آمنت بما أوحيت إلى جسدي نبيا للألم … وما خنت القضية “.

يسكنني إيمان أنني لن أجد كاتبي المثالي هذا،  ولا يمكنني أن أصيره فمتعتي تكمن في بحثي الدائم عنه، ومحاولتي الدائمة أن أكونه، وصارت لي أنا أيضا قضية !.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.