الرئيسية | شعر | أطلقي عليه النار .. لقد أبصرته الخيول | عبود الجابري

أطلقي عليه النار .. لقد أبصرته الخيول | عبود الجابري

عبود الجابري (الأردن-العراق)

 

عدتُ من هناك
لا أنا بالمعافى
لأرمي بجسدي في الماءِ المالح
ولا أنا بالمريضِ
لأتسوَّل يداً ناعمة تمشِّطُ شراييني
الخيمةُ التي في قلبي لم تعدْ صالحةً للتجوال
والظّلال التي إدَّخرتها
أنفقتُها على شموسٍ نائمة
حتى أنَّني ارتبكتُ
حينَ مدَّ ولدي يده

 ليمسكَ طرف ردائي
قلتُ : من منّا الأكثرُ خوفاً
حين نريد العبور إلى الرصيف البعيد ؟
أنتَ أم حفرةٌ في كاحلِ أبيك ؟
فكرتُ ايضاً
أن أستعين بمن تبقّى من صويحبات أمّي
كيْ أتعلَّم المشيَ
دون علامةٍ تشير إلى خدوش ركبتيَّ
و فكَّرت مراراً أن أزور واحداً من خونةِ أبي
لعلَّه يكفِّرُ عن خيانته بنصيحتي
قبلَ أن يموت

ويقول لي :

مامن شاهدةٍ أكثر وضوحا
من صورتك على الخارطة
مامن ضريحٍ أكثر لمعاناً
من ذهب البلاد بين معادن الأرض
الى أين تمضي إذنْ
قافلة الأرامل
اللواتي أضعنَ ملامح صورتي؟
وسط َ انحسار الذهب في قلب الشمس

 التي لم تعد تأبهُ بالمواعيد
بين حيٍّ يسعى إلى موته
وميتٍ لايبارحهُ قاتلٌ يجهزُ عليه ثانيةً
كلّما حرَّك ذراعيه
ليردَّ السلام على خطى العابرين
الميتُ الذي ألفيتهُ وحيداً في الأعالي
صارتْ له معجزةٌ يتيمةٌ
عندما تعلَّق بذيلِ نجمةٍ متعبة
فهوتْ بهِ إلى الأرضِ
وصار لهُ جمعٌ من المريدين
يترنَّحون حول ظلامِه
ويغنّون بوجعٍ:
لو أنَّك تركتَ النجمةَ في سماءِ الله
وهويتَ وحيداً
لو أنَّك متَّ هناكَ
واوصيتَنا أن نهتفَ للنّجوم
لكيْ تبكي من أجلِك
لو أنَّك لم تغامرْ بجوعِنا إلى الضّوء
لبقيْنا سعداءَ في ظلامِنا الأليف
وحينَ يتناهى الصهيلُ إلى أسماعنا
سنفكِّر بحصانٍ جائعٍ
على العالمِ أن يطعمَهُ من فضلةِ زادِه
أو يقرِّب منه فرسَه الراسيةَ في طينِ الأسطبل
كي يكفَّ عن هذا الصوتِ
الذي يقلقُ نومَ الفرسان
الذين يكابدون ألم البلدان
الّتي انتظرت حوافر خيلهم
ويعفِّرُ بالترابِ
صوتَ الطبلِ النائمِ في أقصى المقبرةِ
كلُّ مايفعلونهُ
أنّهمْ يفكِّرون بالحصانِ الجائع
والرَّجلِ الَّذي لايجد في فضلةِ ايّامه
سوى كسرةٍ من صهيل

 فلا تخبري أحدا عن ندبةٍ في ساقه
حسبك أن تطلقي عليه النار
وتصغي لأنينه
حسبك أن تضعي رأسك على صدره
وتنتظري خفوت النار في قلبه
وتحدثي عن موته في ليلة ماطرة
هناك حيث ينشغل الرجال
بترميم نسائهم
والنساء
بإستدراك الألوان التي تسيح على أكتافهن
هناك حيث لا ينتبه الموت
إلى ندبة في ساق الحصان العجوز
الموشك على الانهيار

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.