الرئيسية | بالأبيض و الأسود | مغالطات الدكتور إدريس الكنبوري حول صراع الفلسفة والتربية الإسلامية بالمغرب | محمد مقصيدي

مغالطات الدكتور إدريس الكنبوري حول صراع الفلسفة والتربية الإسلامية بالمغرب | محمد مقصيدي

محمد مقصيدي

 

ليس من عادتي أن أتابع النقاشات في القنوات التلفزيونية المغربية، لكن الجدل الذي أثاره الكتاب المدرسي لمادة التربية الإسلامية والذي جاء منحازا بشكل غير مبرر للنقل الديني على حساب إعمال العقل النقدي، بل ذهب إلى حد اعتبار الفلسفة سفها، وهو ما جاء بالحرف في مقرر السنة الأولى باكالوريا كنص الشهرزوري حيث يقول الكتاب المقرر رسميا من طرف وزارة التربية الوطنية :

“الفلسفة أسُّ السّفَة والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة، ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين، ومن تلبس بها قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان”. 

وما هذا النص إلا غيض من فيض، يوضح بجلاء طبيعة الفكر السائد في المدرسة العمومية المغربية، وعلى ضوء هذه البرامج والكتب التي أثارت حفيظة أساتذة الفلسفة، جاء برنامج ” مباشرة معكم ” ليثير هذه المعركة مستدعيا ممثلا عن أساتذة الفلسفة في شخص عبد الكريم سفير رئيس الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، وممثلا عن أساتذة التربية الإسلامية في شخص السيدة مليكة نايت لشكر ، كاتبة فرع القنيطرة للجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، وممثلا عن الوزارة وآخر عن الإعلام… بالإضافة إلى حضور الدكتور إدريس الكنبوري بصفته باحثا في التطرف.

لن أستغرق في كل الأفكار التي جاءت في البرنامج، بل سأوضح هنا بعض المغالطات الكثيرة التي جاءت في كلام دكتور من المفروض أنه أقرب إلى الفلسفة من النصوص الدينية، لقد استغربت حق الاستغراب مواقف الدكتور إدريس الكنبوري التي حاول الدفاع عنها، وخاصة في توجيهه اتهامات للفلسفة أو لمدرسيها، سأمر عليها في عجالة:

أولا: أكد الدكتور إدريس الكنبوري، أن مادة الفلسفة فشلت فشلا ذريعا في أن تكون ندا لمادة التربية الإسلامية في المدرسة العمومية، متسائلا أنه كيف يميل التلميذ إلى التربية الإسلامية عوض الفلسفة، رغم أنه يدرس في نفس المؤسسة المادتين معا وفي قسمين متجاورين، موجها اتهاما باطنيا لأساتذة الفلسفة، وما زلت لا أعرف كيف يغيب عن دكتور وباحث في التطرف أن التلميذ لا يشرع في دراسة الفلسفة إلا في السنة الأولى من الباكالوريا بينما يكون قد تشبع حتى العظام بمادة التربية الإسلامية التي يدرسها منذ سن السابعة، بل سن الخامسة في ما قبل التمدرس العمومي، بل منذ ولادته في البيت. وهكذا تكون المقارنة باطلة أساسا، بل يعرف الدكتور أشد المعرفة أن مادة التربية الإسلامية تمتد إلى مواد أخرى كمادة العربية والتاريخ وغيرها، بينما تبقى الفلسفة حبيسة ساعات الفلسفة القليلة اليتيمة، بل ألا يعرف الدكتور أن مادة التربية الاسلامية يتشبع بها التلميذ خارج المؤسسة أساسا، في الشارع والبيت والإعلام وغيرها …

ثانيا: أجزم الدكتور إدريس الكنبوري بثقة كبيرة أن كل الفلاسفة اعتبروا أن الدين مكونا أساسيا في المجتمع لا يمكن تجاوزه، وكأنه يقول لنا أن الدين ينبغي أن يكون حاضرا في كل مناحي المجتمع والنقاشات المجتمعية، ودلل كلامه بأسماء لفلاسفة كنيتشه، ولا أعرف كيف اعتبر الدكتور إدريس الكنبوري الفيلسوف نيتشه من القائلين بضرورة الدين في المجتمع، وهو المؤسس للأخلاق التي تتجاوز الأخلاق الدينية ومؤسس مفهوم الإنسان الأعلى الذي هو معيار ذاته. إلا إن كان يقوم بمغالطة فجة عن عمد في اعتبار كل الفلاسفة مجزمين بضرورة حضور الدين في المجتمع، وهذا أمر ينكره حتى المبتدئين في الفلسفة، ويكفي أن نذكره بفولتير في هذا الباب.

ثالثا:  قال الدكتور إدريس الكنبوري  – بدفاع مرير – أن من حق رجل الدين أن يناقش الفلسفة ويعطي رأيه فيها وفي موضوعاتها من وجهة نظر دينية، وأن النقاش الفلسفي لا يقتصر فقط على المشتغلين بالفلسفة وإنما يمتد لرجال الدين الذين من حقهم خوض غمارها متحدثا عن فقهاء الإسلام الذين ترجموا عن اليونان وناقشوا طروحاتهم وتكلموا في الفلسفة، ولم أفهم أبدا ولن أفهم هذا الكلام أيضا، وخاصة أن يصدر من دكتور يشتغل في موضوعاته على مفاهيم تقترب من الفلسفة. فنحن نعرف أن الكلام في الفلسفة وحولها من شخص غير مختص في الفلسفة يبقى كلاما في الهواء، وليس له أية صحة علمية أو موضوعية، كأن يتحدث طبيب الأسنان في صناعة الطائرات، وكأن يجري مدرب كرة قدم عملية جراحية لدماغ لاعب أصيب في الملعب… طبعا يمكن لطبيب الأسنان أن يتحدث في صناعة الطائرات إن درس صناعة الطائرات بالشكل ذاته الذي درس به المختص في صناعة الطائرات، وهكذا لن يتحدث كطبيب ولو كان طبيبا وإنما سيتحدث كعالم بصناعة الطائرات وإن كان له تخصص آخر وهو الطب. بمعنى أنه لا يمكن لرجل الدين أن يتحدث في الفلسفة من موقع رجل الدين بل سيتحدث كمختص وعارف بالفلسفة شريطة أن يلم بها بالطريقة ذاتها الذي ألم بها المختص في الفلسفة. وأما حجته في التاريخ بأن علماء الإسلام تحدثوا في الفلسفة، فكان الأحرى به أن يعرف أن رجال الدين لما تحدثوا بالفلسفة وعن الفلسفة لم يتحدثوا كرجال دين، بل كفلاسفة، وعلى رأسهم الإمام الغزالي الذي هاجم الفلسفة وكتب كتابه الشهير ” تهافت الفلاسفة”، فهو يعتبر من فلاسفة الإسلام.

رابعا: تحدث الدكتور إدريس الكنبوري – وهذا خطأ كرره أيضا ممثل الوزارة وتمادت فيه ممثلة أساتذة التربية الإسلامية – أن أساتذة الفلسفة تعاملوا مع هذه النصوص السفيهة والركيكة بحساسية، في حين أن المقولات الواردة في الكتب الإسلامية التي تهاجم وتشتم الفلسفة يجب النظر إليها من زاوية أخرى، وهو وضعية / مشكلة، سيناقشها الأستاذ مع تلامذته للخروج بأن النقل لا يتعارض مع العقل وأن هذه النصوص يجب إعمال النقد والعقل فيها، محتجين بأن الأساتذة يدعون إلى إعمال النقد والعقل ويرفضون وجود مقولات تشتم الفلسفة ليعمل التلميذ عقله ونقده عليها، فهي تمرين للعقل وليس أكثر، ( ورغم أن الدكتور إدريس الكنبوري اعتبر النص ركيكا وبلا معنى، كان يجب ان لا يكون في محتوى الكتاب، إلا أنه اعتبر ردة فعل أساتذة الفلسفة نابعة من خلفية إيديولوجية… ) ويكفي أن أطرح على السيد إدريس الكنبوري والسيد ممثل الوزارة والسيدة ممثلة أساتذة التربية الإسلامية، ماذا لو جاء في نصوص مواد الفلسفة مثل هذه النصوص التي تشتم الإسلام واعتبارها وضعية انطلاق؟ ألم يكونوا قد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها؟ ألم يكونوا أحرقوا الكتب مباشرة ؟؟ فإن اعتبروا أن الفلسفة سفها بمثابة وضعية مشكلة تعليمية / تعلمية، فليكتبوا نصوصا في مقررات الفلسفة أيضا تقول مثلا: الدين فقط خرافة من خرافات كل الشعوب القديمة ، أو مثلا عبارة: الأديان السماوية هي فقط نتيجة لزمن معين في رقعة جغرافية معينة… أو فليقوموا بتدريس كتابات الدكتور السيد القمني وعبد الله القصيمي، وليعتبروها أيضا وضعيات انطلاق من أجل إعمال النقد والعقل من طرف التلاميذ، أم أن الوضعية المشكلة حلال في التربية الإسلامية، حرام في الفلسفة؟؟؟… 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.