الرئيسية | سرديات | الكتابة بشفرة سكين حادة | حنان درقاوي

الكتابة بشفرة سكين حادة | حنان درقاوي

حنان الدرقاوي (المغرب):

 

أشتغل على الجملة الخبريّة لأن القص عندي هو الإخبار. أكتب القصة بالمعنى الحرفيّ لجذرها( قص): أي خبر. القصة عندي لابد أن تحمل خبرا، وجملتها تكون خبرية بالضرورة، وبعيدة عن الإنشائية. الخبر يمكن أن يكون منظرا، شخصا، أو محكيّا ذاتيّا. منذ بداياتي الأولى انتصرت للحكاية، المكون الأساسيّ للقصة عندي هو الحكاية، لهذا أميل إلى السرد والوصف واستغوار الشخصيات..

رغم أني قرأت لرواد التجريب في الغرب، وكذا أقرأ ما يصدر عن تيار التجريبيبة في المغرب، إلا أنني أظل كلاسيكيّة في اختياراتي الفنية. تلزمني حكاية لكي أكتب. تلزمني دراماتورجيا، تطور للأحداث وحبكة دراميّة. أؤسس شخوصي على النمط الملحميّ: شخص يريد أن يصل إلى هدف ما، ويواجه عوائق خارجيّة وداخليّة تعيقه، وتحول دون تحقيق هدفه أو فكرته. تماما كما كان “عوليس” يواجه العراقيل التي تضعها أمامه الآلهة.

   تأثيراتي الفنيّة آتية أساسا من الأساطير، حيث أقرأ أساطير كل الشعوب، وهذا التأثير يقودني إلى البناء الملحميّ. القصة القصيرة ملحمة الأزمنة المعاصرة، حيث يجب الاهتمام بالأساسي في أقل كلام ممكن. أكتب وأنا أمسك مكنسة أشطب بها كل الكلمات الزائدة، ربما أكتب بشفرة سكين حادة. لا مكان للإنشائية والزوائد. حين أنتهي من فقرة ما، أعيد قراءتها وأرضى عليها حين لا أستطيع حذف كلمة واحدة. ولأنني أحذف كل ما هو زائد، فنصوصي القصصية الأخيرة تنهار رأسا على عقب إذا ما حذفت منها كلمة واحدة. لقد وصلت إلى هذا النوع من الكتابة بعد نشر مجموعتين قصصيتين هما: “طيور بيضاء” و”تيار هواء” المملوءتين بالزائد وبالحشو اللّغوي الذي يعتبره البعض شاعرية، حتى أنني فزت بجائزة عربية من أجل مجموعتي الثانية: “تيار هواء”. لا أعرف كيف يمكن مكافأة هكذا حشو وإطناب بادعاء الشاعريّة.

     بعد هاتين المجموعتين المذكورتين، وبعد قراءات مطولة في الأدب العالمي ضمن جنس القصة القصيرة، خاصة لأسماء من قبيل “تشيخوف، أليس مونرو، ووليم فولكنر”، اكتشفت طريقتي في الكتابة، وانتبهت أنني في القصة أريد أن أفهم كيف وأين ومتى ولماذا وقعت الأحداث. صارت شخصياتي أكثر خفة، وأكثر تفاعلا مع بعضها البعض، وصار الحوار مكونا هاما لهيكل الحكي. رغم أني أميل إلى السرد والوصف الخارجي “الزمان والمكان عندي مضاءين تماما ومحددين”، غير أنني صرت أميل إلى الاستغوار النفسي بفعل تكويني واشتغالي بالتحليل النفسيّ، وأعتقد أنني أكتب ضمن نطاق الواقعية النفسيّة، أي واقعية تزاوج بين الوصف والدراما والاستغراق الداخلي. حين أنسج شخصية في قصة وأحكي عن حدث وقع لها في لحظة معينة، فلا أكتب سوى بعد أن أفهم الشخصية، أي ما هي عليه قبل الحدث وما تصيره بعد الحدث. لا أكتب عن هذا (الما- قبل) و( الما-بعد)، لكنه يكون حاضرا في ذهني وأنا أكتب النص. أفكر دائما أنّ كل نصوصي القصصية يمكن تحويلها إلى روايات، لكنني لن أفعل لأني أريدها أن تبقى قصصا قصيرة وللرواية مواضيع أخرى.

   منذ بضع سنوات صرت أكتب الرواية ونشرت ثلاث روايات لحد الآن، والحقيقة أنني حينما بدأت أكتب الرواية خفت أن أتوقف عن كتابة القصة. لكني وجدتني الآن أراوح بين القصة والرواية. ما إن أنهي رواية حتى التفت جهة القصة. حاليا أكتب رواية وفي نفس الآن أوضب نصوصا قصصية. أعتقد أن القصة القصيرة لم تكن فقط محطة استراحة في سيرتي الإبداعية، بل هي فن مقصود بذاته. أكتب القصة لأنها توفر لي ما لا توفره لي الرواية. أنا بطبعي إنسانة قلقة. متوثبة وذهني يقفز من شيء لآخر باستمرار ولدي صعوبات كبيرة في التركيز وكتابة القصة بتوثبها وبتكثيفها يعتبر أسهل وأريح بالنسبة لي. الرواية تفترض ساعات طوال من الاشتغال وسعة نفس لا أملكها، بل أفرضها على نفسي فرضا. أعتقد أنني سأستمر في كتابة القصة القصيرة لأنها تتناسب مع طبيعة شخصيتي وتكويني النفسيّ ولأنها تعبر عن روح عصرنا بما فيه من قلق متفاقم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.