الرئيسية | أخبار | منحوتة الحرية.. الجدران بلا أسوار | رباب كمال

منحوتة الحرية.. الجدران بلا أسوار | رباب كمال

رباب كمال

 

الحرية مفهوم تعددت تعريفاته، ارتبط مفهوم الحرية بالثورات على السلطة و تناسينا مفهوم الحرية المتعلق بالثورة على النفس، و لربما أن أكثر مفاهيم الحرية الغائبة عنا هو مفهوم التحرر من سجون العقل ، و هو أننا نصنع بأفكارنا  سجونا لأنفسنا و تأبى عقولنا على التحرر من أفكار بالية نشأنا عليها و  قد لا تواكب هذه الأفكار  الزمان و لا المكان و لكننا نتمسك بها في وجه حريتنا ، فتكون حريتنا ألا  نكون أحرارًا و نحاول فرض تخلينا عن حريتنا على الآخرين .

 فالبعض يختار بنفسه العبودية ، قد تكون العبودية لفكرة مهينة لانسانيتنا ، لكننا نراها تكريمًا لآدميتنا ، قد تكون العبودية في أن نحتذي بشخص سيرته عنيفة بغيضة لكننا نصمم على أنه بوصلة الأخلاق و مكارمها،   و نظل نبحث عن مبررات أخلاقية لأفعال دموية   ، قد تكون عبوديتنا رهن أشخاص يكيلون لنا الاهانات و نصمم  نحن على أنهم  يحبوننا  بالرغم من اهانتهم و  خيانتهم  المستمرة لنا ، قد تكون العبودية لأشخاص  غليظة القلب قولا و فعلا لكننا نرى أنهم يمثلون   لنا الأمان الذي لن نجده ان تحررنا منهم.

و بالرغم من كل هذه المفاهيم الفلسفية إلا أنه يظل مفهوم الحرية  السائد هو ألا تكون مقموعًا،  على الأقل في الاختيارات الأساسية ، و لأن الحرية شارع له اتجاهين فعليك أن تعي أنه لا يمكنك أن تئن من القمع بينما ترغب في قمع الآخرين تحت مسميات الأخلاق و الدين أو الوطنية أو مجتمعاتنا المحافظة .

و نحن نتحدث عن الحرية عادة تشرد أذهاننا إلى الحرية من السلطة و التسلط  ، لكننا لا نولي اهتمامًا  كافيا ً للحرية من القوالب التي يفرضها علينا المجتمع ، فالمجتمعات لا تتعاطف مع من   يخرج عن طوعها ، و لا تأخذها رحمة بمن يعلن عن اختلافه و خروجه عن طوعها .

أن تعبر عن أفكار مختلفة أو أن تسلك طريقًا مختلفًا عن الجموع مهما كان الاختيار بسيطا  يُعد شرودا عن الأغلبية،  وينظر المجتمع إلى اختياراتك  نظرات قاسية، و في بعض مجتمعاتنا القبلية قد يكون الاختيار المختلف سببًا  موضوعيا لدفنك حيًا و عادة هذا يسري على الرجال و النساء و تعاني منه أكثر  النساء في ثقافة صحراوية الهوى.

الخوف هو أكبر سجن للحرية ، الخوف من المجتمع و من التبعات و من فقدان الأصدقاء الذين لا يحترمون قرارتك و لا يدعمون حرية اختيارك ، فهُم يدعمون اختيارك فقط إن كان مناسبا لمجموع القيم و المبادئ التي اتفقوا عليها ضمنيًا أو صراحة، و لهذا كانت كلمات الرئيس الأمريكي  روزفلت(1882 – 1945)  عن الخوف هي الأكثر تداولا في العالم اليوم ، حين قال أن أكبر مخاوفنا هو أن  نعيش رهن الخوف.

الخارجون عن القوالب … الشاردون عن الجموع ، لربما يدركون أن حريتهم مرهونة بالاتساق و التصالح مع النفس و عدم نفاق المجتمع مهما قذفهم المجتمع بطوب الكفر و حجارة الفسوق وخرسانة اللاوطنية . هم يدركون أن أفكارهم البالية اليوم ستكون مقبولة فيما بعد ، تماما كما فعل  الفيلسوف الانجليزي برتراند راسل  ( 1872- 1970 )  حين صاغ  وصاياه العشر عن مفهوم الليبرالية قائلا ”  لا تخشى أن تكون فكرتك غريبة، فكل الأفكار المقبولة الآن كانت غريبة يوماً ما”

هل ننسى أن خروج الفتيات للتعليم الجامعي في مصر في ثلاثينيات القرن الماضي قوبل بفتاوى اقتراب الساعة و زلزلة الأرض و غضب الرب ؟ و حتى إن كانت هذه الأفكار موجودة حتى اليوم في ظل ما تعرضنا له من انتكاسة حضارية  ، إلا أن هذا  لم يمنع ملايين الفتيات من التخرج الجامعي – على مدار العقود –   حتى و إن نشأن في الريف و في مجتمعات قبلية .

قد لا يكون وصف الحرية يسيرًا بالكلمات ، لهذا لجأ الفن إلى التعبير الأمثل عن الحرية ، سواء باللوحات أو المنحوتات و هي وسيلة عابرة للقارات و الحضارات و الثقافات و اللغات ، و عادة فإن الفنون التي تعبر عن مفهوم الحرية تستخدم رموز  الأيدي التي تفك الأغلال،  أو الأيدي التي تمتد إلى السماء على سبيل أن السماء رمز للحرية ، أوالأيدي الحاملة لشعلة نور .

كانت السماء و الأيدى الحرة و مشاعل النور من رموز الحرية بينما كانت الجدران من رموز  السجن  و القهر ، و هنا كانت عبقرية منحوتة الحرية و التي تعرف عالميا  باسم  sculpture breaks free  ،  و هي عبارة عن أربعة منحوتات يمثلون و يرمزون لنفس الشخص في مراحل التحرر المختلفة ، فالمنحوتة الأولى تقع كاملا  في طيات الجدار و الثانية منحوتة تحررت برأسها و كتفيها و تظل ذراعيها مقيدة ، و المنحوتة الثالثة استطاعت أن تمد يدها خارج نطاق الجدار كاملة سعيًا للحرية  ، أما المنحوتة الرابعة فهي تقع على ُبعد مترين من الجدار  و هي متحررة تماما في إشارة رمزية إلى التحرر من القوالب التي تجعل حريتنا رهنًا للقيود  ، فالحرية أن تتحرر من القوالب التي ُفرضت علينا  وُصنعت  من حولنا  ، و الجدران اتضح أنها  ليست مقيدة إلا أذا ارتضينا نحن ذلك، الجدران ليست سجنا   طالما أننا لا نصنع منها أسوارًا و حواجز تخنقنا .

منحوتة لوحة الحرية

منحوتة الحرية تقع في إحدى شوارع فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية و قام بنحتها الفنان اليوناني زينوس فريداكوس عام 2000

و لسان حالها ” تحرروا من الجمود الذي ُيفرض عليكم “

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.