
لطيفة باقا: قصصي أحلام.. والكتابة رؤية وجودية
حوار أجراه الإعلامي عبد الكريم واكريم:
لطيفة باقا من مواليد مدينة سلا، درست الأدب الحديث وعلم الاجتماع، وتشتغل حاليا كأستاذة مادة التواصل. صدرت لها لحدود اللحظة مجموعتان قصصيتان هما : “ما الذي نفعله؟” سنة 1992 والتي فازت عنها بجائزة الأدباء الشباب لاتحاد كتاب المغرب في نفس السنة، و”منذ تلك الحياة” الصادرة سنة 2005 ، “غرفة فرجينيا وولف” 2014. كما لديها العديد من القصص منشورة في الصحف والمجلات المغربية والعربية، ولديها أيضا عدة إسهامات في أنطولوجيات للقصة المغربية والعربية. وقد ترجمت قصصها لعدة لغات من بينها الفرنسة والإسبانية والإنجليزية والألمانية.
لطيفة باقا من جيل كاتبات وكتاب جيل التسعينيات من القرن الماضي ، الفترة التي عرفت طفرة مهمة في السرد القصصي بالمغرب، ولم يبق منها (الطفرة) حاليا في واجهة التميز سوى أسماء معدودة، يمكن وبدون تحفظ ذكر إسم لطيفة من بين أهمها. لكن رغم كل ذلك فهي مقلة في إبدعها السردي عكس كل مجايليها من القصاصين، وهي ترد ذلك وبكل تواضع المبدعين إلى أنها مجرد امرأة تكتب ولا تستطيع أن تتخذ من الكتابة مهنة لها، لأنها – كما تقول – لا تستطيع التفرغ للكتابة، كونها لديها انشغالات ومسؤوليات، كوظيفتها ومسؤوليتها كأم وزوجة، إضافة لكل تلك المسؤوليات التي تثقل كاهل النساء. لكني أكاد أجزم أن هناك أسبابا أخرى وراء هذا الإقلال، إذ أن إلقاء نظرة ولو متعجلة على إبداعاتها تجعلنا نخرج بخلاصة مفادها أن تأنيها في الكتابة وعدم استعجالها جعلها تتجواز نفسها إبداعيا، وهذا ظاهر لكل من ألقى نظرة على بعض قصص مجموعتها الأولى وقارنها بقصص مجموعتها الثانية، بحيث يتلمس مدى الفرق بينهما الذي أتى مع الزمن من ناحية تطوير أدوات السرد وامتلاك ناصية الحكي والاشتغال على الأشكال ومحاولة الإيغال التجريب أكثر.
كل هذا وأشياء أخرى عن مسيرة لطيفة باقا الإبداعية نقرأه في الحوار التالي :
– تتراوح أعمالك القصصية بين تلك التي تتميز بنمط كلاسيكي ذو سرد خطي وبين الأخرى التي تظهر فيها محاولة التجريب جلية ، لماذا هذا الاختيار المزدوج؟
-رغم أنني أميل في الغالب إلى التنصل من قبضة التصنيف فإنه تظل مع ذلك دائما بعض المحاولات التي تروق لي، خصوصا تلك التي تعمل على تسليط الضوء على مناطق معتمة من تجربتي القصصية. هل أختار لنصوصي نمطا معينا ؟؟ أعتقد أنني بالأحرى أنخرط في النص منذ البداية و النص وحده يحدد نمطه، شكله و وتيرته. لكني مع ذلك لا أحبّ أن أصنف في خانة “الكلاسيكي” لإيماني بأن الإبداع ثورة على التقليد أولا و أخيرا، وهو بذلك بحث مستمرّ عن الجديد. ما أطلبه هو أن تشبهني نصوصي في نهاية التحليل.
-أهم ملاحظة تجذب المهتم بمسارك القصصي هو أنك مقلة في إنتاجك، إلى ماذا تردين هذا الإقلال؟

-أستطيع أن أقدم جوابا جاهزا عن هذا السؤال فأقول إنني أحترم القارئ و أحترم نفسي، وإن كنت فعلا أحترم شخصا لا أعرفه اسمه “القارئ”، و أحترم شخصا أعرفه أحيانا اسمه “نفسي”، فإن دوافع “الإقلال” أو قلة النشر تعود لأسباب موضوعية مرتبطة بوضعية الكاتب عندنا في المغرب من جهة وبوضعية المرأة أيضا، فأنا مجرّد امرأة تكتب ولست كاتبة، لسبب بسيط هو أنني لا أستطيع أن أتخذ من هذه الكتابة مهنة، أي أنني لا أستطيع أن أتفرغ تماما للكتابة…لدي انشغالات ومسؤوليات تحول بيني وبين التحليق في سماء هذا العشق، أمور تربطني بالأرض مثل وظيفتي ومسؤولياتي كأمّ وزوجة و كلّ تلك المشاغل الكثيرة و المتكررة التي تثقل كاهل النساء.
– أغلب قصصك عن عوالم النسائية، حدثيني عن هذا الإختيار؟
-نصوصي تضجّ بالناس بالرجال والنساء والأطفال والحيوانات والطيور والزواحف… أرجو ألا أكون قد أخلفت وعدي لنفسي وللكتابة بألاّ “أخلط” بين قناعاتي السياسية والنسائية من جهة وبين اختياراتي الإبداعية والجمالية. الكتابة حرية وهي أساسا أسئلة و ليست أجوبة. النساء في نصوصي لا يحاكمن الرجل بل يحاولن أن يفهمنه ليقتربن منه أكثر: كائنات من لحم ودم، موظفات، عاطلات، أمهات، عاهرات، ثائرات وخنوعات… نساء من كلّ الأصناف التي يزدحم بها الفضاء العام والخاص نساء عاديات لكن استثنائيات يمكن أن نصادفهن في الحواري والأزقة، لا هن بملائكة ولا هن بشياطين.

Comments (0)